طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

بوتين... ما نهاية اللعبة؟

تشارف الحرب الروسية على أوكرانيا على إتمام أسبوعها الأول دون نتائج واضحة، حتى كتابة المقال، بينما أوقعت روسيا نفسها تحت عقوبات أوروبية أميركية ودولية غير مسبوقة، وإن كانت العقوبات لم تحقق نتائج تُذكر عبر الزمن.
السؤال اليوم هو: ما «نهاية اللعبة» Endgame بالنسبة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟ ما الذي يريد تحقيقه من هذه الحرب الأولى من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية بأوروبا؟ وما الذي يمكن تحقيقه أصلاً؟
إلى أين سيذهب الرئيس بوتين بهذه الحرب، خصوصاً إعلانه التأهب النووي، وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة للقول: «لدينا قشعريرة جراء إعلان بوتين التأهب النووي»؟ والسؤال الأخير هنا، وأعتقد أنه الأهم: هل لدى بوتين نفسه أي تصور لنهاية هذه الحرب؟
الأكيد، وأياً كانت الإجابات عن الأسئلة أعلاه، أن روسيا بعد الحرب لن تكون كما كانت قبلها، وكذلك أوكرانيا، ومن خلفهم أوروبا والولايات المتحدة، وكما قال لي مراقب فطن: «في الحروب قتيل وجريح، القتيل مهزوم والجريح منتصر، وإن لم يُقتل».
ما فعله الرئيس بوتين بحربه على أوكرانيا هو بمثابة رسالة لأوروبا والولايات المتحدة بأن الغرب «المتحضر» قد يشهد حروباً، وأن الحروب ليست اقتصادية فقط، بل عسكرية، وقد تصبح نووية، ويكفي فقط إعلان بوتين التأهب النووي.
حرب روسيا على أوكرانيا هي بمثابة التذكير بقواعد اللعبة القديمة بأن الأمن والاستقرار لا يزال يواجه تحدياً حقيقياً، وأن هناك مَن لا يزال يؤمن بعقلية الحروب، وليس في الشرق الأوسط «البعيد» كما تعتقد الولايات المتحدة، بل في أوروبا.
بالنسبة إلى بوتين فإن كل ما سوف يحققه من هذه الحرب لا يمكن أن يعد انتصاراً، لأن التكلفة كبيرة وستضطر روسيا لخوض مفاوضات ليست بالسهلة للعودة إلى المجتمع الدولي، ورفع العقوبات.
هذا الأمر سيستغرق سنين وليس شهوراً، وحتى لو احتل الرئيس بوتين كل أوكرانيا، وهذا أمر صعب، أو أسقط الحكومة هناك، فإن خسارته الكبيرة سيشعر بها الروس أنفسهم داخل روسيا وخارجها.
وبالتالي من الصعب تحديد معنى الانتصار بهذه الحرب، ولكل الأطراف، وربما تكون هذه الحرب بمثابة تعليق الجرس لأوروبا «المسترخية»، والولايات المتحدة المفرطة بـ«السذاجة السياسية».
وبالنسبة إلى بوتين فهذه حرب «رجل واحد» خاطر بكل شيء، وليس أمامه خيارات سهلة، حيث يواجه الغرب بلا حلفاء إلى الآن، والجميع يتفرج، لكن ليس على مباراة شطرنج، بل لعبة جودو، كما وصفت المعركة مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق.
يخوض بوتين المعركة الصعبة وحيداً رغم أنه القائل: «إن من لا يحزن على سقوط الاتحاد السوفياتي لا قلب له، ومن يفكر بعودته لا عقل له»، وأكثر طرف متعرض للخسائر المؤلمة هي روسيا نفسها، وبالطبع بوتين.
والسبب الرئيسي في ذلك أنه لا ملامح لـ«نهاية اللعبة» في الحرب على أوكرانيا... صحيح أن بعض القادة الغربيين، ومنهم الرئيس الأميركي، قد يتعرضون لخسائر انتخابية بسبب أدائهم السياسي، لكنّ خسارة «الرجل الواحد» دائماً ما تكون أقسى، وليس على «الرجل الواحد» نفسه، بل على بلاده.