يتم الاحتفال سنوياً، في شهر فبراير (شباط)، بأسبوع التوعية بعيوب القلب الخِلقية (CHD) لتعزيز الوعي وتوفير التعليم حولها باعتبارها أكثر عيوب الولادة شيوعاً. ووفقاً لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها الأميركية (CDC)، يولد 40000 طفل في السنة مع عيب بالقلب.
- أمراض خلقية
تُعرف أمراض القلب الخلقية بأنها نمو غير طبيعي في القلب يبدأ أثناء التطور الجنيني، ويظهر عند الولادة، وينتج عنه خلل في تركيب ووظائف القلب، وله آثار ضارة على أجهزة الجسم الأخرى ما يؤثر سلبياً على صحة الطفل، علماً بأن معظم أسبابها لا تزال مجهولة لغاية الآن.
في الماضي كانت حالات أمراض القلب الخِلقية ميؤوساً من شفائها، أما اليوم فإن جراحات القلب الحديثة بعد التقدم والتطور الطبي قد عالجت كثيراً من هذه الأمراض وأصبح بالإمكان أن يعيش المصاب بها حياة صحية.
بهذه المناسبة، أقام المركز الوطني للقلب ندوة حول عيوب القلب الخلقية وأهمية التوعية بها وطرق الوقاية منها، شارك فيها عدد من المتخصصين في مجال أمراض القلب، وذلك في يوم الاثنين الماضي.
وفي حديث حصري لملحق «صحتك»، أوضح الدكتور أحمد سمان استشاري أمراض القلب الخلقية والأشعة الصوتية والرنين المغناطيسي للقلب بمستشفى شرق جدة وأحد المتحدثين في الندوة، أن أمراض القلب الخِلقية توجد، عالمياً، لدى ما يقارب من 10 إلى 40 لكل 1000 مولود حي، وهذه نسبة كبيرة تفوق نسبة الأمراض الخلقية التي تصيب الأعضاء الأخرى منفردة. أما في المملكة العربية السعودية، فإن نسبة الانتشار تقع بين 2 و10 لكل 1000 مولود.
وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، تم إحراز تقدم كبير في تشخيص وعلاج أمراض القلب الخلقية لدى الأطفال، ونتيجة لذلك فإن كثيراً منهم تمكنوا من البقاء على قيد الحياة ووصلوا إلى مرحلة البلوغ، وتشير التقديرات في الولايات المتحدة وحدها إلى أن هناك احتمال زيادة بمعدل نحو 5 في المائة سنوياً من عدد السكان البالغين الذين يعانون من أمراض خلقية في القلب الذين عولجت أمراضهم القلبية أو لم تُعالج.
- عوامل الخطورة
أضاف الدكتور سمان أن بعض عوامل الخطر البيئية والوراثية قد تلعب دوراً في الإصابة بأمراض القلب الخلقية، والتي تتضمن ما يلي:
> مرض القلب الخلقي يسري في العائلات (موروث)، ومرتبط بكثير من المتلازمات الوراثية. فعلى سبيل المثال، غالباً ما يعاني الأطفال المصابون بمتلازمة داون من عيوب في القلب. ويمكن للفحص الوراثي اكتشاف متلازمة داون والاضطرابات الأخرى أثناء نمو الطفل.
> الحصبة الألمانية (الحميراء)، قد تؤثر الإصابة بها أثناء الحمل على كيفية نمو قلب الطفل أثناء وجوده في الرحم.
> داء السكري من النوع 1 أو 2، قد تؤثر إصابة الأم بالسكري أثناء الحمل أيضاً في نمو قلب الطفل.
> الأدوية، يمكن أن يؤدي تناول بعض الأدوية أثناء الحمل إلى الإصابة بمرض القلب الخلقي وعيوب خلقية أخرى. تشمل الأدوية المرتبطة بعيوب القلب الليثيوم الذي يُستخدم للاضطراب ثنائي القطب، والإيزوتريتينوين isotretinoin (كلارافيس، ماوريسان، زيناتان، وغيرها)، الذي يُستخدم لعلاج حب الشباب.
> المشروبات الكحولية، تناولها أثناء الحمل يسهم في خطر الإصابة بمشكلات القلب لدى الطفل.
> التدخين، تزداد لدى الأم التي تدخن أثناء الحمل مخاطر إنجاب طفل مصاب بعيب خلقي في القلب.
- الأمراض لدى الكبار
أوضح الدكتور أحمد سمان أن أمراض القلب الخلقية لدى الكبار هي إصابة من هم أكبر من 14 سنة من العمر والذين تم تشخيصهم أو معالجتهم من أمراض قلب خلقية خلال مرحلة الرضاعة والطفولة والمراهقة أو تتطلب حالتهم المتابعة المستمرة والعلاج في مرحلة متقدمة من حياتهم.
ومن أكثر الأمراض شيوعاً في المملكة: الثقب بين البطينين، والثقب بين الأذينين، ومتلازمة فالوت.
وتصنّف أمراض القلب الخلقية إلى مزرقة وغير مزرقة، وتشهد الأمراض المزرقة تحوّل الدم من اليمين إلى اليسار، حيث يتلقى نظام الدورة الدموية في الشرايين الفائض من الدم غير المؤكسد من الجانب الأيمن من القلب، ما يؤدي إلى تغيّر اللون في اللسان والشفتين والأغشية المخاطية، كما أن أعضاء وأنسجة الجسم تتلقى دماً منخفضة فيه نسبة الأكسجين. ومعظم الأطفال الذين يعانون من هذه الأمراض لا يتمكنون من البقاء على قيد الحياة إلى سن البلوغ دون إجراء تدخل جراحي.
أما الأمراض غير المزرقة فتشكل وجود عيوب في صمامات القلب، ويكون تحوّل الدم من اليسار إلى اليمين، ويتدفق الدم المؤكسد من الجانب الأيسر من القلب في الأذين الأيمن أو البطين ويتم إرجاعه إلى الرئتين، وعادة لا يوجد نقص كبير في الدم المؤكسد ما عدا في الأطفال الذين يعانون من تشوهات شديدة، ولحسن الحظ، فإن أمراض القلب الخلقية غير المزرقة هي الأكثر شيوعاً.
وهناك تصنيف آخر لأمراض القلب الخلقية يقسمها إلى بسيطة ومتوسطة ومعقدة.
- مضاعفات وعدوى
> متلازِمة آيزينمينجر (Eisenmenger syndrome) هي من المُضاعفات طويلة الأمد لعَيبٍ خِلقي في القلب وُلِد به الشخص ولم يُعالج. وتتسبَّب عيوب القلب الخِلقية المرتبطة بالمتلازمة في تَوزيع الدم بصورة غير طبيعة في القلب والرئتين. عندما لا يتدفق الدم بشكل طبيعي، تُصبِح الأوعية الدَّموية في الرئتين صلبة وضَيِّقة؛ ما يزيد الضغط على شرايين الرئة (فرط ضغط الدم الشرياني الرئوي). ويتسبَّب هذا في تلَف دائم للأوعية الدموية في الرئة.
ومن أهم أسباب متلازمة آيزينمينجر وجود عيب في القناة الأُذينية البطينية، يكون هناك ثقب كبير وسط القلب، حيث تلتقي الجدران بين الحجرات العلوية (الأذينين) والحجرات السفلية (البطينين).
مع التشخيص المبكر وإصلاح عيوب القلب الخلقية، يمكن عادةً تجنُّب هذه الحالة التي تهدد الحياة. وإذا حدثت الإصابة بمتلازمة آيزينمينجر، فإنها تتطلب مراقبة طبية دقيقة. ويمكن أن تؤدي الأدوية إلى تحسُّن الأعراض ومآل المرض.
وأكثر مضاعفات هذه الأمراض شيوعاً حدوث اضطرابات في نبضات القلب وفشل عضلة القلب الاحتقاني الذي يؤدي إلى زيادة السوائل في الرئتين.
> التهاب شغاف القلب. هو عَدوى تُصيب الغشاء الداخلي المبطن للقلب (الشغاف). وعادةً ما يحدث هذا الالتهاب عندما تدخل البكتيريا أو الجراثيم الأخرى إلى مجرى الدم وتنتقل منه إلى القلب، وإذا لم يعالج، فقد يتسبب في تلف صمامات القلب أو يدمِّرها أو يتسبب في حدوث سكتة دماغية. ويُوصى المعرضون لخطر الإصابة بالتهاب الشغاف (endocarditis) بتناول المضادات الحيوية قبل ساعة من تنظيف الأسنان.
- التشخيص
يشمل تشخيص مرض القلب الخِلْقي:
- تخطيط كهربائية القلب (ECG)، الذي يُشخص كثيراً من مشكلات القلب، بما في ذلك عدم انتظام ضربات القلب وانسداد الشرايين.
- اختبار الجهد، هو تخطيط كهربائية القلب أثناء ممارسة الرياضة؛ عادةً على الدراجة أو جهاز المشي.
- تصوير الصدر بالأشعة السينية، لتوضيح التغييرات في حجم القلب وشكله، وكذلك المشكلات التي تصيب الرئتين.
- قياس التأكسُج النبضي، بمستشعر متصل بالإصبع لتحديد كمية الأكسجين الموجودة في الدم.
- تخطيط صدى القلب، تنتج الموجات الصوتية - صوراً للقلب في أثناء حركته لمعرفة كيفية ضخ غرف القلب وصماماته للدم عبر القلب. ويُمكن إجراء هذا التخطيط أثناء ممارسة الرياضة، عادة على الدراجة أو جهاز المشي.
- تخطيط صدى القلب عبر المريء، عند الحاجة للحصول على مزيد من التفاصيل، حيث يتم توجيه أنبوب مرن به محوّل طاقة عبر الحلق من خلال الأنبوب الذي يصل الفم بالمعدة (المريء). ويُنفذ هذا الإجراء عبر التخدير.
- التصوير المقطعي المحوسب للقلب، هو أحدث وسائل استخدام الاشعة لتشخيص أمراض القلب الخلقية، لتكوين صور للقلب والصدر.
- القسطرة القلبية، تتم تحت تأثير أدوية منوّمة وباستخدام الأشعة السينية، تُستخدم لفحص تدفّق الدم وضغطه في القلب، يتم إدخال قسطرة في أحد الشرايين أو الأوردة الإربية أو العنق أو الذراع المتجهة الى القلب. وفي بعض الأحيان تُحقن صبغة في القِسطار لإظهار الأوعية الدموية بشكل أوضح في الصور.
- تصوير القلب بالرنين المغناطيسي، الذي يَستخدم مجالاً مغناطيسيّاً وموجات راديوية لالتقاط الصور، ويستخدم لتقييم ما يلي:
. حجم حجرات القلب ووظيفة كفاءة عضلة القلب.
. سماكة وحركة جدران القلب.
. مدى الضرر الناجم عن النوبات القلبية أو الأمراض القلبية.
. المشاكل الهيكلية في الشريان الأورطي، مثل تمدد الأوعية الدموية أو التسلخ.
. التهاب أو انسداد في الأوعية الدموية.
- العلاج
يؤكد الدكتور أحمد سمان أن علاج مرض القلب الخلقي، غالباً، ما يكون بنجاح في مرحلة الطفولة. ومع ذلك، قد لا تكون بعض عيوب القلب خطيرة لدرجة تستدعي علاجها أثناء الطفولة، ولكنها قد تسبب مشكلات مع التقدم في العمر.
كما يعتمد علاج مرض القلب الخلقي لدى البالغين على مدى حدة المشكلة، ويمكن ببساطة مراقبة الحالة، أو قد تحتاج إلى أدوية أو جراحة، كما يلي:
> أولاً: العلاج الدوائي، توجد عدة أنواع من الأدوية تساعد في تخفيف الأعراض الناجمة عن اضطرابات صمامات القلب، وضيق التنفس والتورم بسبب تراكم السوائل في أجزاء مختلفة من الجسم باستخدام مدرات البول وأدوية أخرى تساعد في التخلص من السوائل الزائدة، ويمكن استخدام أدوية تساعد في تخفيض عبء العمل على القلب، كما يمكن علاج حالات الخفقان أو عدم انتظام ضربات القلب باستخدام مجموعة أخرى من العقاقير، ويمكن لخفقان القلب أن يسبب تجلطاً للدم، لذا يتم استخدام مضادات التخثر التي تزيد من سيولة الدم وتحد من مخاطر التخثر.
> ثانياً: العلاج بتداخلات غير جراحية، مثل عملية إغلاق الثقب بين البطينين عن طريق القسطرة القلبية، وزرع أجهزة تنظيم ضربات القلب.
> ثالثاً: العلاج الجراحي، لمعالجة أمراض القلب الخلقية أو عملية زراعة للقلب أو الرئة في الحالات المعقدة والمتقدمة.
- الوقاية والدعم
> أولاً: أمور مهمة يجب على المريض أن يعرفها، مثل اسم وتفاصيل حالة القلب والعلاجات، من حيث:
- أعراض مرض القلب الخلقي والأوقات التي يجب الاتصال فيها بالطبيب.
- كم مرة ينبغي زيارة الطبيب من أجل الرعاية والمتابعة.
- معلومات عن الأدوية وآثارها الجانبية.
- معلومات خاصة بتنظيم النسل وتحديد الأسرة.
- معلومات خاصة بالعناية بالأسنان، خصوصاً عند الحاجة إلى مضادات حيوية قبل إجراءات الأسنان.
- إرشادات خاصة بممارسة التمارين وقيود العمل.
- كيفية الوقاية من التهابات القلب (التهاب الشغاف)، إذا لزم الأمر.
- معلومات خاصة بالتأمين الصحي وخيارات التغطية التأمينية.
> ثانياً: قضايا داعمة، أهمها:
- القضايا النفسية والاجتماعية للمرضى الذين يعانون من هذه الأمراض كالمتعلقة بالعمل وممارسة الرياضة والسفر والزواج وغيرها، يمكن للفريق الطبي المساعدة في حل كثير منها.
- الحرص على أخذ اللقاحات اللازمة (مثل لقاح «كوفيد - 19»)، خصوصاً في المرضى الذين يعانون من فشل بعضلة القلب وعوامل الخطورة مثل التقدم في العمر والسمنة والسكري وارتفاع الضغط الرئوي والالتهابات المزمنة في الرئة.
- يمكن للنساء المصابات بمرض القلب الخلقي الخفيف إكمال الحمل بنجاح. وفي الحالات المعقدة، يُنصحن بعدم الحمل. وفي حالة حدوث الحمل لا بد من استشارة طبيب مختص بشأن الحمل الخطر.
- إذا كان الآباء مصابين، فإن احتمالية إصابة الأطفال بأمراض القلب الخلقية تزداد أيضاً، لا بد من إجراء استشارة أو فحص وراثي مسبقاً. وأخيراً، يقدم الدكتور أحمد سمان نصيحته بألا ننسى أن تعليم وتثقيف المرضى عن أمراض القلب الخلقية والمضاعفات المحتملة بعد العملية الجراحية أو القسطرة القلبية وكذلك المتابعة والكشف الدوري هما أمران في غاية الأهمية.
ويعيش كثير من البالغين المصابين بمرض القلب الخلقي حياةً كاملةً وطويلةً ومثمرةً. لكن من المهم عدم التجاهل والإهمال، بل الاطلاع المستمر على مستجدات المرض وعلاجه؛ فكلما عرفت أكثر، ازدادت قدرتك على التعافي.
- استشاري طب المجتمع