نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

ما يحدث لدمشق.. يحدث لليرموك

كشفت أحداث مخيم اليرموك عن مدى تغلغل الأجندات الخارجية في الحياة السياسية الفلسطينية، وظهر جليًا أن هذه الأجندات أقوى من قدرة أي طرف على النأي بنفسه عنها، حتى لو رغب في ذلك.
ولقد انقسم الفلسطينيون من داخل سوريا وخارجها على نحو أظهر المخيم كضحية تدفع أثمان كل الأجندات.
وكارثة اليرموك أنه أضعف بكثير من الأثقال الموضوعة على كاهله، وموقع اليرموك هو أكبر عبء عليه، فهنالك من يريده نقطة انطلاق نحو قلب دمشق، وهنالك من يرى فيه خط دفاع استراتيجي عن العاصمة، المحاطة بالخطر من كل جانب، وإذا كان جزء من فلسطيني سوريا ويمثلهم فصيل أحمد جبريل، يرون أنفسهم جزءًا من النظام ويقاتلون في معركته مثل أكثر الموالين له من السوريين، فإن ساكني المخيم من الفلسطينيين لم يقبلوا هذا الفرز المكلف، فانتفضوا عليه ودفعوا ثمنًا غاليًا جراء محاولتهم النأي بأنفسهم عن الأجندات المتصارعة بينهم ومن حولهم.
أما منظمة التحرير التي تقودها فتح، والتي لا ميليشيات لها في دمشق، فقد عملت جاهدة على تحييد المخيم، وتقديم المساعدات الإنسانية قدر ما تستطيع، إلا أنها في نهاية المطاف، وبعد أن تمددت «داعش» في المخيم الواقع على أبواب دمشق، وجدت نفسها واقفة على مفترق طرق، أي طريق منها يحمل من الخسارة أكثر بكثير مما يحمل من الربح، لقد وجدت نفسها على حافة الدخول في تحالف عسكري مع النظام تحت عنوان إنقاذ المخيم من «داعش»، وقد اجتهد أحد قادتها بالحديث عن غرفة عمليات مشتركة، بين الجيش السوري وكل الفصائل الفلسطينية، وتلك قفزة لم يسبق أن حاولتها منظمة التحرير على مدى السنوات الأربع التي هي عمر الحرب في سوريا.
وفكرة الدخول في عمل عسكري مشترك مع الجيش السوري، فيها تبرئة لخط أحمد جبريل ومن يماثله من الفلسطينيين، وفيها كذلك استدعاء قوات فلسطينية من لبنان، وبوسعنا لو حدث ذلك تخيل ردود الفعل ممن يفترض أنهم حلفاء المنظمة لبنانيًا وعربيًا ودوليًا.
ونظرًا لخطورة الانزلاق إلى خطوة من هذا النوع فقد «فرملت» منظمة التحرير حركتها تجاه المخيم لتعود إلى وضعها السابق كجهة إغاثة تعتمد «الصليب الأحمر» وما لديها من علاقات مع مؤسسات إنسانية تستطيع مد يد العون «للمحشورين» في المخيم، والعودة إلى هذا الموقف القديم، وإن كان بالنسبة لقيادة المنظمة الرسمية هو الأسهل، فإن رد الفعل الشعبي الفلسطيني، وحتى بعض الرسمي، عليه، جاء صعبًا ومؤذيًا لصورة وإيقاع القيادة التي يفترض أهل المخيم والغالبية الشعبية الفلسطينية المتعاطفة معهم أنها من يتعين عليها إنقاذهم، وما دام المخيم واقعًا تحت هذه الحالة، فإن الحرج الرسمي الناجم عن العجز سيتفاقم على نحو يهز صورة القيادة في وقت لا ينقصها ذلك.
أخيرا.. فلقد عمق مخيم اليرموك اندماجه الطوعي والقسري في الحالة السورية، وحسم أمره تحت عنوان وحيد وأخير.. ما يحدث لدمشق.. يحدث للمخيم.