مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

تداعيات الفوضى في إثيوبيا على المنطقة

إن الأثر الذي ينبغي الكتابة عنه في رأيي هو الحدث الأكثر خطورة ومأساوية والذي ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار، فكثير من الأحداث مخيبة للآمال لأنها تحيلنا إلى الصدام القائم بين فرقتين من شعب واحد، وهي تلك المرحلة التي يتوقف عندها الزمن ويعكس صورتها السلبية بداية من الحوادث الجغرافية إلى تواريخ ميلاد العنف الضارب في القدم، لذلك نتساءل ما هي الدوافع وما هو جوهرها؟ ومن سيتمركز الآن في نقطة المنتصف من الفرقتين؟ فكل ما يدور في إثيوبيا حرب بين قوتين موجودتين داخل البلاد، وصل فيها عدد أسرى الجيش الإثيوبي 11 ألفاً، وعلى إثر ذلك توجه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى ساحة المعركة ليقود القتال ضد مقاتلي جبهة تحرير تيغراي، الذين اقتربوا من العاصمة أديس أبابا.
فالولايات المتحدة تدين التصعيد المستمر للعنف وتعريض المدنيين للخطر»، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، «على حكومة إثيوبيا وجبهة تحرير شعب تيغراي أن تضعا حداً للأعمال العدائية وأن تنخرطا الآن في محادثات»، وكما هو واضح، في الأزمات تظهر للسطح المؤشرات الخطيرة وأبعادها المستترة، فهل من الممكن أن تتغير سياسة إثيوبيا بالتفاوض على ملء السد إذا تغير النظام؟ فمن خلال هذا الصراع تتمزق الجغرافيا ويتمزق معها السكان ثم تبدأ زيادة المهاجرين غير الشرعيين لدول الجوار خصوصاً لدول الخليج، وهم يأتون أفواجاً كبيرة قبل الفوضى والصراعات بدولتهم، فماذا سيكون عليه الحال إذا تحولت الدولة لحرب أهلية وفوضى عارمة؟ حيث يخوض الطرفان حرباً منذ نحو عام أودت بحياة الآلاف، وأدت إلى نزوح أكثر من مليونين من السكان.
فالجيش الإثيوبي يواجه مؤخراً خسائر فادحة على الخطوط الأمامية من المعارك، وتعد بمثابة تحولات كبرى تعاكس تماماً ما كانوا عليه من الصلابة والقوة، ما أجبر الحكومة على اتخاذ خطوة غير عادية بدعوة المواطنين العاديين للانضمام إلى الحرب ضد المقاتلين من الجبهة وتجنيد الشباب الصغار، وفي لمحة محفزة على القتال، وترجمة لسياسة رئيس الوزراء، آبي أحمد، أصبح على خط الجبهة الأمامي مع الجيش.
فالسلم والسلام هنا يمضيان نحو الغروب بعدما استشرى ضجر الحياة في أرواح الشعب المنكوب ومعاشهم، ويبدو أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، تخلى مؤقتاً عن جائزة نوبل للسلام، وارتدى زيه العسكري، متجهاً إلى جبهات القتال ضد مقاتلي تيغراي، أي أن هناك واقعة من انقلاب داخلي وأزمة نفسية تبعث على البؤس والفقر والجوع والموت، عطفاً على ما أعلنه برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، بأن انتشار الصراع المستمر منذ عام في إقليمي عفر وأمهرة المتجاورين يعني أن 9.4 مليون شخص سيكونون بحاجة إلى مساعدات غذائية كنتيجة مباشرة للصراع المستمر، من هنا تؤكد الأحداث المتسارعة بأن التصعيد لحرب أهلية ينذر بالعودة إلى الوراء وتعتبر فترة مراسم تنصيب زمن الصراعات والفوضى، فالمشكلة الحقيقية انقسام وخلافات تحدد مستقبل البلاد، علماً بأنه إذا استعصى الحل والتفاهم وتعثرت المساعي الدولية في حل الأزمة، يتكبد الجميع الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات ويتدهور استقرار البلاد.
وبعد اعتراف مقاتلي تيغراي بأنهم ما زالوا يتقدمون نحو العاصمة أديس أبابا، والصراع المستمر منذ عام أدى إلى أزمة إنسانية، حيث يواجه مئات الآلاف ظروفاً صعبة ومجاعة في شمال إثيوبيا. ووصل عدد الجماعات المتحالفة ضد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى تسعة، كلها تهدف لوقف آبي أحمد الذي دعا في رسائل عدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المدنيين إلى حمل السلاح والخروج للقتال.
لقد أسفرت الحرب عن مقتل الآلاف وتشريد أكثر من مليوني شخص، بعد أن اندلع القتال قبل عام بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، التي كانت تهيمن على الحياة السياسية في إثيوبيا، وبين الحكومة الاتحادية، وتتغذى كل مرحلة على الخيارات والاتجاهات المحتملة، ولكن إذا تحرر المشروع السياسي من المحظور أو المحرم، وأغلق كل مجالات العنف والقتل والفوضى حفاظاً على المجتمع المدني من التشظي والتمزق سوف ينجو الجميع من الدمار.