أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

اللبنانيون وإدراك المتغيرات

بقلب مفتوح، قرأت مقالات وتعليقات كثير من اللبنانيين، سواء ضد أو مع قرار السعودية سحب سفيرها من بيروت، وطلبها مغادرة السفير اللبناني في الرياض. ومنها مقال الزميل الأستاذ إياد أبو شقرا في هذه الصحيفة، تحت عنوان «إيران الرسام وسوريا الصورة الأصلية، ولبنان نسختها».
ما لفتني في مقال الأستاذ إياد مسألة أشار إليها بكثير من اللطف الجم، ودماثة الخلق، وحرقة الدفاع عن مواطنه اللبناني، حين ذكر أن «اللبناني الشريف الذي يعمل بكد وشرف في دول الخليج، غير مسؤول عن تصرفات أي لبناني آخر ولا عن أخلاقياته. ومن واجبات الأخوة، في الاتجاهين أن يكون اللبناني وفياً لمشاعر الأخوة بقدر وفائه للقمة عيش أهله، وفي المقابل، من واجبات أهلنا في الخليج أن يدركوا أن في لبنان اختلافات سياسية عميقة حتى على هوية البلد ومصيره لا تجيز التعميم».
أوافق تماماً أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وهذا مبدأ عدلي لا غبار عليه. السعودية ودول الخليج، تسمح أنظمتها بالعمل للأجانب، ولكن يظل على الشركات والمؤسسات عبء اختيار من تراه مناسباً. غضب السعوديين من بعض الشخصيات اللبنانية التي عملت في مؤسسات سعودية وانتكست في أخلاقها معهم، غضبة مبررة، لكن التعميم كما قال الزميل إياد لا يجوز. لكن في رأيي أنه لا يجوز ليس بسبب الاختلافات السياسية العميقة في لبنان كما ذكر الكاتب، لأن هذا شأن يخص اللبنانيين وحدهم، إنما لاختلاف ميزان الناس في أخلاقهم وسلوكهم، ما يجعل التعميم مثلبة.
سكان المملكة تجاوز عددهم ثلاثين مليون نسمة، ثلثهم من الأجانب المقيمين، يعملون ويؤثرون ويتأثرون بالمجتمع، يعلّمون ويتعلمون في مؤسساتها التعليمية، يتطببون في مشافيها، وينعمون بأمنها. والمخالفات القانونية التي تصل إلى الجنح وحتى الجنايات، يرتكبها سعوديون أو من جنسيات عربية وغير عربية داخل المجتمع السعودي يتم التعامل معها وفق القانون على نحو سواء. الأجانب شركاء في التنمية في عهود متتالية من البناء، في السعودية ودول الخليج. لكن المتغير الثابت هنا، أن السعودية لم تعد كما كانت، تطور بنيانها البشري بالتعليم مثلما تطور عمرانها، أصبحت الحاجة للأجنبي أقل من السابق، في ظل وجود مواطنين أكفاء، لكن هذا لا يعني الاستغناء عن كفاءات أجنبية في قطاعات لا تنجح إلا بالمشاركة وتبادل المعرفة، إنما الإحلال هو استراتيجية وطنية تتصاعد مع الوقت.
كلبناني، يضع الكاتب الكريم إياد أبو شقرا لبنان وسوريا والعراق واليمن في لوحة واحدة. بالنسبة للسعوديين، في رأيي الشخصي، ومع ما توليه حكومة السعودية من أهمية لاستقرار كل الدول العربية، لكن يظل اليمن هو الأكثر حساسية وأهمية، بحكم الجغرافيا. لبنان كان يحظى بعناية ملوك السعودية في كل عهودها، كونه ساحة العراك الآيديولوجي العربي - العربي، والعربي - الإسرائيلي، والعربي - الإيراني. وأسهمت الرياض بشكل أساسي في تهدئة الصراع بين المكونات اللبنانية من خلال اتفاق الطائف، وأكملت بإعمارها لبنان، وضخ استثمارات كبيرة لتعجيل حركة التنمية فيه.
والحقيقة ما ذكره الأستاذ إياد حول دور إيران وأذرعها في المنطقة العربية مشهود، وهو حديث دولي تشبعت منه قاعات فنادق جنيف وفيينا والبيت الأبيض. لكن من الصعب بمكان التسليم بهذا الواقع، على الأقل على مستوى التفاصيل لكل بلد عربي موبوء بالتطفل الإيراني.
حينما يشعر المواطن السعودي، وليس الحكومة، بأن لبنان اختُطف من إيران على يد بعض اللبنانيين، ينتابهم شعور بالأسى، وهذا أقصى ما يمكن أن يكون. إنما الإشكالية، أن لبنان تضخم فيه الفساد لدرجة تصدير الضرر للخارج، وإلى السعودية تحديداً. المستهدف من تهريب المخدرات المتكرر هو المواطن السعودي، فكيف يمكن تبرير استمرار هذا الفعل الشرير الممنهج؟ أمهات من استشهدوا على الحد الجنوبي للمملكة دفاعاً عنها، كيف استقبلن خبر تعيين عضو في حكومة لبنان يرى أن قتل أبنائهن حق للحوثي؟ هل يجوز الرد من وزير سعودي بأن من سقط من الشارع اللبناني في الثامن من مايو (أيار) 2008 على يد حزب الله حق مشروع للحزب، ليتمكن من كسر شرعية الدولة؟
هناك أعراف، في القانون والأخلاق، لا يصح تجاوزها مهما بلغت الخلافات، لذا سارعت الخارجية السعودية، خلال الأزمة، للتأكيد على «اعتبار الجالية اللبنانية جزءاً من النسيج واللحمة التي تجمع بين الشعب السعودي وأشقائه العرب المقيمين». وهنا تبرز المسألة الثانية؛ أين وزير الخارجية اللبناني من كل هذا؟ رئيس الدولة! رئيس الوزراء! القيادات السياسية والحزبية!...
في الطيونة خرجت العشائر في عمل غير مسبوق لمواجهة عناصر حزب الله في الشارع، ورغم رفض العنف من حيث المبدأ، لكن يظل من الصعب التنظير على مواطن لبناني يشعر بتهديد وجودي بسبب ممارسات حزب الله.
حزب الله وشركاؤه في لبنان يضغطون بممارسة الإرهاب وهم في قاعة الانتظار، ينتظرون ما يرشح من مفاوضات فيينا حول ملف إيران النووي، أو يأملون أن تخرج المفاوضات السعودية الإيرانية بحلول، أو أن واشنطن ستفزع لنجدتهم...
قضية لبنان تخص اللبنانيين، لكن الفاسدين منهم سمحوا بدخول المشكلات إلى بلدهم من الخارج، فأصبحت الحلول رهينة للخارج أيضاً.