أحمد الصايغ
- وزير دولة في حكومة الإمارات و«الشيربا» الإماراتي لمجموعة العشرين
TT

الإمارات تعزز منظومة مواجهة الجرائم المالية

مع دخول الإمارات العربية المتحدة عامها الخمسين، بإنجازات تجاوزت كل الحدود والتوقعات، بدأت الدولة خلال السنوات الماضية في العمل على تعزيز منظومتها الوطنية لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وبما يتسق مع الرؤية الملهمة لقيادتها الرشيدة في هذا الصدد.
وتتمثل الرؤية للسنوات الخمسين المقبلة ضمن مشاريع ومبادرات استراتيجية «مشاريع الخمسين» التي أُطلقت مؤخراً، في جعل دولة الإمارات الوجهة العالمية للاستثمار والإبداع الاقتصادي، وحاضنة متكاملة لريادة الأعمال والمشاريع الناشئة، وهذا ما تسعى إليه جميع الجهات المعنية في دولة الإمارات، حيث تعمل بشكل دؤوب على دعم المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتنظيمات غير المشروعة، لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد واستدامته.
وقد واصلت دولة الإمارات خلال الأشهر التي انقضت، بتوجيهات مباشرة من اللجنة العليا للإشراف على الاستراتيجية الوطنية لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، برئاسة الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، بممارسة جهود كبيرة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وضمن هذا الإطار، تضافرت جهود جميع الجهات الحكومية المعنية، على مدار الساعة، من أجل توطيد قدراتها على مكافحة الجرائم المالية، وفي مقدمة المؤسسات التي أسهمت في هذه الجهود جهات إنفاذ القانون، والجهات الرقابية، والسلطة القضائية، والوزارات، ووحدة المعلومات المالية، والمكتب التنفيذي لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ومما لا شك فيه أن هذه الجهود قد عززت فهمنا العميق والتزامنا الجماعي بمواجهة الجريمة المالية العابرة للحدود، الأمر الذي يتطلب توطيد العمل المشترك من أجل تطبيق الإجراءات والإصلاحات العالمية والمحلية على حد سواء.
ومن أبرز الإنجازات التي تحققت خلال الفترة الماضية، اعتماد أحدث التقنيات لتسهيل عملية الإبلاغ عن بيانات المعاملات المشبوهة وتحليلها، مثل منصة «GoAML»، ونظام «IEMS» للتواصل بين وحدة المعلومات المالية والمصرف المركزي ومؤسسات القطاع الخاص وسلطات إنفاذ القانون، ومنظومة «فوري تيك» - التي تُمكّن السلطات من اتخاذ إجراءات فورية تجاه التحذيرات المرتبطة بالمعاملات غير المشروعة والأنشطة المشبوهة. كما أسهم نظام «UAERRS» بالسماح لشركات خدمات الأموال ومشغّلي التحويلات بتقديم بيانات المعاملات إلى وحدة المعلومات المالية بشكل مستمر، فيما تم تأسيس منصة جمركية موحدة بهدف مواجهة مخاطر الجرائم المالية القائمة على التجارة.
وبهدف صقل فهم المخاطر الرئيسية في قطاع الأعمال والمهن غير المالية المحددة، وتعزيز قدرة قطاع الأعمال على استيعاب التطورات التنظيمية والتنفيذية والتأقلم مع مخرجاتها، تم تأسيس إطار للشراكة بين القطاعين العام والخاص لمواجهة الجرائم المالية، حيث تمخض عن ذلك عقد جلستين جمعتا المديرين التنفيذيين لقطاع واسع من الشركات المصنفة ضمن الأعمال والمهن غير المالية المحددة، التي شهدت حضور أكثر من 600 منشأة، بهدف رفع منسوب الوعي والإدراك لأبرز تشريعات مكافحة غسل الأموال، وأهم المخاطر المترتبة على أنشطة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب التأكيد على أهمية قنوات التواصل والتنسيق مع القطاع الحكومي بهذا المجال.
كما أدارت وزارة الاقتصاد أكثر من 11 ورشة عمل حول الامتثال لتشريعات ومتطلبات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب - باللغتين العربية والإنجليزية - حضرها نحو 7 آلاف شخص، بما في ذلك ممثلون عن القطاعات عالية المخاطر مثل المعادن الثمينة والعقارات.
وتأتي هذه الورش واللقاءات ضمن نهج مستدام تقوده السلطات والوزارات التنظيمية في دولة الإمارات، من خلال خطة متكاملة لعقد هذه الفعاليات بشكل دوري ومستدام للتركيز على تعزيز مستويات الوعي والشراكة، والالتزام بالإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة واتباع ضوابط صارمة للامتثال بأُطر مواجهة الجرائم المالية.
ولضمان استمرار التعاون الوثيق بين مختلف الأطراف، ترأستُ مؤخراً أعمال مجموعة كبار الخبراء في دولة الإمارات، التي تتألف من كبار المسؤولين في مجال إنفاذ القانون، ومسؤولين وزاريين وتنظيميين من وزارة الخارجية والتعاون الدولي، ووحدة المعلومات المالية، ومصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، وجهات أخرى في الدولة، التي تتطلع إلى النهوض بما تم إرساؤه من تعاون فني بين الجهات المحلية والشركاء الدوليين.
وتنتهز دولة الإمارات جميع الفرص المتاحة لتعزيز قنوات التعاون القائمة، ومصادر المعلومات، وأنشطة التدريب، وبناء القدرات والموارد في مختلف الجهات المعنية، لا سيما وحدة المعلومات المالية، ووزارة الداخلية، والنيابة العامة، ووكالات إنفاذ القانون، خصوصاً فيما يتعلق بمخاطر غسل الأموال، والاحتيال، والعقوبات، وتمويل الإرهاب. وقد لعبت وحدة المعلومات المالية لدولة الإمارات دوراً أساسياً في جمع المعلومات الاستخباراتية وتجميد الأموال في قضايا الملاحقة القضائية.
وعلى مستوى السياسة الخارجية والتعاون الدولي، واصلت دولة الإمارات خلال الأشهر الماضية بذل جميع الجهود المتاحة على الساحة الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، من خلال التنسيق الوثيق مع الدول الفاعلة والشركاء الاستراتيجيين، ما أسفر عن تحقيق تقدم ملموس في كثير من الجوانب المرتبطة بتطوير منظومة الدولة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتعزيز فاعليتها.
وفي هذا الإطار، تلعب سفارات الإمارات العربية المتحدة دوراً مركزياً في جهود تحفيز تبادل المعلومات والخبرات، وبناء قنوات التواصل الفعال للتعاون الفني بين دولة الإمارات ونظرائها على مستوى العالم.
وقد شكل التعاون المؤسسي مع الاتحاد الأوروبي نموذجاً يحتذى للشراكات الدولية الهادفة إلى مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث تم ضمن الحوار الهيكلي لدولة الإمارات والاتحاد الأوروبي، عقد سلسلة من ورش العمل الافتراضية بين المسؤولين الإماراتيين ومسؤولي الاتحاد الأوروبي حول سبل وأفضل ممارسات مكافحة الجريمة المالية، وذلك بتنظيم وجهد مميز من قبل وزارة الخارجية والتعاون الدولي.
ويأتي هذا التعاون مع الاتحاد الأوروبي ضمن نهج متكامل لتعزيز برامج الشراكة الدولية الهادفة إلى تبادل الخبرات وبناء القدرات في مجال مواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث تمخض عن ذلك أيضاً إطلاق إطار الشراكة الإماراتية - البريطانية لمواجهة التدفقات المالية غير المشروعة، الذي تضمن مسارات ثلاثة لتعزيز التعاون الاستراتيجي من أجل الحد من الجرائم المالية.
وعلى صعيد متصل، تشارك دولة الإمارات بانتظام في منصات تبادل المعرفة وورش بناء المهارات مع الشركاء الدوليين، مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما يعود بالنفع الكبير على جميع المشاركين، من خلال تحقيق تقدم ملموس على مختلف المستويات. وقد شاركت جهات إنفاذ القانون الرئيسية على مستوى الدولة في هذه الأنشطة، بما في ذلك وزارة الداخلية والنيابات العامة، وقد تم التركيز على بناء فهم موحد وشامل للجريمة المالية والأفراد المتورطين وشبكات الجريمة المنظمة على الصعيدين المحلي والدولي.
وبالنسبة للبنية القانونية والتشريعية، لم تتوانَ دولة الإمارات عن المباشرة السريعة والاستباقية بتطبيق المعايير الدولية في مجالات الرقابة، والتعاون الدولي، والإنفاذ، والتحقيقات المالية ودمجها في صلب الاستجابة الوطنية لدولة الإمارات، التي أدت إلى تحقيق كثير من الإنجازات، وفي مقدمتها قرار مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينافاتف) برفع تقييم الامتثال الفني لدولة الإمارات ضمن عدد من التوصيات الرئيسية، حيث عزز ذلك من مركز الدولة الإقليمي والعالمي بين الدول المتقدمة في مجال الامتثال التشريعي الهادف إلى مكافحة الجريمة المالية.
وقد تزامنت هذه الإنجازات مع تبني أفضل الممارسات، من خلال صياغة استراتيجيات الحد من المخاطر، ووضع منهجية تقييم المخاطر الوطنية، وخطة العمل الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
لا شك أن منظومتنا الوطنية لمكافحة الجريمة المالية ستتمكن من الوصول إلى المراتب المتقدمة عالمياً، وبما يتسق مع الدور الرئيسي الإيجابي الذي تتبوأه دولة الإمارات على الساحة الدولية، ويحافظ في الوقت ذاته على تنافسية الاقتصاد الإماراتي وجاذبيته للاستثمارات والأعمال من شتى أنحاء العالم.