حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

التنين التوسعي!

إذا كان العالم يتمتع اليوم ويستفيد بشكل أو بآخر بسبب النمو الاقتصادي في الصين، الذي أتاح وجود منتجات استهلاكية لشريحة عريضة من الناس حول العالم بأسعار تنافسية ورخيصة وجذابة، فإنه اليوم لديه قلق مستحق وطبيعي حينما يراقب النمو السريع لقدرات وإمكانات الصين العسكرية، والتي لا يمكن وصفها إلا بـ«الأدوات التوسعية»، وذلك بالحكم على نوعيتها.
فالاستثمارات الهائلة التي تنفقها الصين على تطوير منتجاتها العسكرية، مثل أحدث حاملات الطائرات التي تستعد لإتمام إنتاجها في موقع سري بالقرب من ميناء شنغهاي، والتي ستكون الثالثة في إجمالي عدد حاملات الطائرات بالبحرية الصينية. وتعدّ هذه الناقلة الحديثة والمعروفة حتى الآن بـ«المشروع 003» نقلة نوعية بالنسبة للصين، وتحديداً فيما يخص الجانب الفني والتقني، وذلك قياساً على ما جرى إدخاله من تكنولوجيا حديثة ومتطورة فيها.
البحرية الصينية؛ التي تعدّ الكبرى حجماً في العالم، تقول دوماً عن مشاريع تطويرها إنها تسعى «لتأمين حدودها البحرية»، ولكن الاستثمار المتزايد في حاملات الطائرات والفرقاطات العدائية والغواصات النووية يثير قلق كل جيرانها في منطقة المحيط الهادي، من أمثال اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وإندونيسيا وفيتنام وأستراليا، والتي لديها جميعاً خلافات حدودية بحرية معروفة مع الصين، هذا طبعاً من دون الدخول في تفاصيل قضية تايوان مع الصين المعقدة. وحالياً يبلغ تعداد السفن البحرية العسكرية لدى الصين 350، في مقابل 293 للولايات المتحدة. علماً بأن حجم الأسطول الصيني قد تضاعف 3 مرات في آخر 20 سنة، ولديها خطة للوصول إلى 400 قطعة بحرية بحلول عام 2025، بينما تبقى خطة أميركا الوصول بأسطولها إلى 355 قطعة، ولكن من دون سقف زمني محدد وواضح.
ولكن رغم التفوق العددي في القطع البحرية العسكرية؛ فإن تقارير اللجان المختصة في الكونغرس الأميركي تقول إن أميركا تتفوق بعدد أفراد البحرية بوجود 330 ألف مجند بحري، في مقابل 250 ألفاً في البحرية الصينية. ومنذ أيام كشفت الصين النقاب عن أحدث الأجيال من مقاتلتها العسكرية المعروفة باسم «جي20»؛ وهي طائرة مقاتلة شبحية لا يستطيع نظام الرادار مراقبتها، وهي بالتالي ستكون نداً مهماً للطائرة المقاتلة الأميركية «إف22» التي تعرف وتتمتع بالمواصفات التقنية نفسها مبدئياً. ولم تكتف الصين بالكشف عن هذا النموذج الجديد من طائراتها المقاتلة؛ بل كشفت عن نموذج آخر لا يقل أهمية بأي شكل من الأشكال، وهو الخاص بالطائرة المقاتلة المعروفة باسم «جي16.د»، وهي الأخرى طائرة شبحية لا يستطيع نظام الرادار مراقبتها، ولها ميزة في غاية الأهمية؛ وهي قدرتها على التعطيل الإلكتروني الكامل لجميع أجهزة الرقابة والمراقبة المعادية لها. ولكن النقطة اللافتة والأهم أن كل التقنيات المستخدمة في هذه الأجيال الجديدة من المقاتلات الصينية تقنيات صينية الصنع والمنشأ في مجالي المحركات النفاثة والأجهزة الإلكترونية لعمليات التحكم والقيادة والرقابة.
وهي وجهات النظر نفسها التي تقدم حين الحديث عن الغواصات الصينية التي تتقدم تقنياً جيلاً بعد جيل، وإن كانت في وضعها الحالي تعدّ متخلفة جداً عن نظيراتها الأميركية والفرنسية والروسية. وتعدّ الطائرات الصينية الجديدة منافساً جديراً بالاهتمام للمقاتلتين الأميركيتين «إف22» و«إف35» والمقاتلة الروسية «سو57» والمقاتلة الفرنسية «رافال»، وتمنح الدول الفقيرة خياراً مناسباً لتمين قدراتها القتالية بتكلفة اقتصادية. ولكن الصين؛ التي انتقلت من منتج منافس في التكلفة والأسعار لمعظم احتياجات العالم من السلع المختلفة من الأحذية الرياضية إلى الملابس البسيطة، وصولاً للسيارات والمفروشات والأجهزة المنزلية المختلفة، وهي إنجازات خدمت العالم ونالت اعجابه.
ولكن اليوم مع تكشير الصين عن أنيابها العسكرية وربط ذلك بمبادرة «الطريق والحزام» التي تحمل في تفاصيلها روحاً ونفساً استعماريين؛ ولكن بنكهة اقتصادية عصرية تناسب الزمن الحالي، لا يكون مستغرباً مطلقاً حالة القلق والاضطراب والخوف التي تسود منطقة المحيط الهادي تحديداً؛ خصوصاً في ظل مغامرات الصين العسكرية في الماضي مع بعض دول المنطقة المعنية. العالم بحاجة لقوة صينية في الاقتصاد والاستثمار، ولكنه في غنى تماماً عن كوابيس التعامل مع رغبات التنين التوسعية.