التدخين السلبي والأمراض المناعية لدى الأطفال

يزيد خطر الإصابة بالتهاب المفاصل المناعي

التدخين السلبي والأمراض المناعية لدى الأطفال
TT

التدخين السلبي والأمراض المناعية لدى الأطفال

التدخين السلبي والأمراض المناعية لدى الأطفال

على الرغم من تراجع نسبة المدخنين في معظم دول العالم، خاصة الدول المتقدمة، بسبب زيادة الوعي الصحي، فإن الأخطار شديدة السوء للتدخين السلبى (second hand smoking) لا تزال مرتفعة، خاصة بين الأطفال الذين ينتمون إلى عائلات مدخنة، أو حتى يعيشون في جوار به نسبة كبيرة من المدخنين بشكل جماعي، مثل المقاهي المفتوحة.

- آثار التدخين السلبي
من المعروف أن التدخين السلبى له كثير من الآثار الضارة على الأطفال التي تتعدى الأثر المباشر على الجهاز التنفسي، وتمتد لتشمل القلب والأوعية الدموية، وأيضًا يمكن أن تصبح من أهم عوامل الخطورة للإصابة بالأمراض المناعية المختلفة، مثل التهاب المفاصل المناعي (Rheumatoid Arthritis) أو الذئبة الحمراء، لاحقاً في الحياة.
والتهاب المفاصل المناعي هو نتيجة لحدوث اضطراب في الجهاز المناعي، حيث تقوم بعض خلايا الجسم بمهاجمة بعضها، كما لو كانت خلايا غريبة، ما يسبب تورماً وضعفاً وألماً في المفصل، كما يحد من حركته، وهو يختلف عن التهاب المفاصل العادي (osteoarthritis)، أو ما يطلق عليه الهشاشة، الذي يمكن أن يتشابه معه في الأعراض، ولكنه يختلف عنه في كثير من الأمور، وأهمها أنه أقل شيوعاً من حيث الحدوث، فضلاً عن أن الالتهاب العادي يحدث في كبار العمر، بصفته رد فعل طبيعياً للتقدم في السن، حيث يتآكل الغضروف الموجود في نهايات العظام بمرور الوقت، ولكن الالتهاب المناعي يحدث في عمر مبكر.
وقد جاءت هذه التحذيرات بناء على أحدث دراسة تناولت هذا الموضوع، وتم نشرها في منتصف شهر أغسطس (آب) من العام الحالي في مجلة «التهاب المفاصل والروماتيزم» (Arthritis & Rheumatology)، وقام بها أطباء من قسم الروماتيزم والمناعة في مستشفى المرأة في ولاية بوسطن بالولايات المتحدة.
وأوضح الباحثون أن هناك عوامل خطورة أخرى بالطبع تتحكم في حدوث الالتهاب المناعي، مثل العوامل الوراثية والبيئية، والتدخين الشخصي، لكن العلاقة بين التدخين السلبي وخطر الإصابة بالتهاب المفاصل المناعي تم رصدها في كثير من الحالات، وبالتالي لا يمكن إغفالها.
وقام الباحثون بتحليل بيانات ما يقرب من 91 ألف امرأة أميركية في دراسة طويلة الأمد، وتبين أن الأشخاص الذين تعرضوا في مرحلة الطفولة للتدخين السلبى من خلال أحد الوالدين أو كلاهما كانوا معرضين أكثر من الآخرين لخطر الإصابة بالتهاب المفاصل المناعي بنسبة 75 في المائة، حيث امتد أثر التدخين السلبى منذ الطفولة حتى الثلاثينات من العمر في وقت الدراسة، وكانت نسبة منهم قد بلغت ثلثي العينة لم يسبق لهم التدخين على الإطلاق.
واللافت للنظر أن نسبة خطورة الإصابة زادت مع زيادة نسبة التعرض للتدخين المباشر في الأشخاص الذين أصبحوا هم أنفسهم مدخنين. وفي دراسة سابقة، كانت نسبة الزيادة إذا قام الشخص بالتدخين كبيرة جداً، تقترب من الضعف، حيث كانت النسبة 38 في المائة، ووصلت إلى 67 في المائة في حالة التدخين.

- عوامل خطر
هناك عوامل خطورة أساسية يجب على الآباء وضعها في أذهانهم حتى لا يصاب أبناؤهم بالأمراض المناعية في حالة إقدامهم على التدخين (نظراً لزيادة عامل مساعد آخر)، ومنها جنس الطفل، حيث تزيد نسبة حدوث الأمراض المناعية في الإناث عن الذكور. وعلى سبيل المثال، فإن نسبة تبلغ 75 في المائة من مرضى الذئبة الحمراء (SLE) هم إناث، وأيضاً الالتهاب المناعي، ولكن بنسبة أقل. وربما يكون السبب في ذلك هو الهرمونات الأنثوية والاستجابة المناعية لها التي تزيد من فرص الإصابة. وإلى جانب جنس الطفل، تلعب الجينات أيضاً دوراً كبيراً في الإصابة، ولذلك إذا كان أحد الوالدين يعانى من أمراض مناعية، فإنه يجب عليه الإقلاع فوراً عن التدخين حتى لا تزيد فرص إصابة الأولاد.
كذلك فإن إصابة الطفل بأي مرض مناعي سابقاً تزيد من نسبة إصابته بمرض مناعي آخر. وعلى سبيل المثال، إذا كانت طفلة تعاني من مرض البهاق الجلدي (vitiligo) (اختفاء صبغة الميلانين من خلايا الجسم تماماً، مما يكسب الجلد لوناً أبيض غير متجانس مع بقية لون الجسم)، فإن فرص إصابتها بمرض مناعي آخر، مثل التهاب المفاصل، تزيد بنسبة كبيرة. ومع وجود التدخين السلبى، تتضاعف فرص الإصابة، وهي ظاهرة تعرف باسم «متلازمة الأمراض المناعية المتعددة» (Multiple Autoimmune Syndrome)، وهي تحدث لنحو 25 في المائة من المرضى. وعلى الرغم من أن السبب غير معروف، فإنه يعتقد أنه لتراكم عوامل الخطورة.
وتكمن مشكلة التدخين السلبية في أن حرق النيكوتين يولد كثيرًا من المواد السامة التي تنطلق إلى الجو، وعند التعرض لمواد أخرى، مثل ملوثات الهواء أو الأشعة فوق البنفسجية، فإن فرص الإصابة تتضاعف، حيث إن كثيراً من العوامل السامة لديها القدرة على تغيير الرمز الجيني الخاص بالخلايا، ويمكنها تثبيط أحد الجينات النشيطة، أو العكس (تنشيط جين خامل)، وهو الأمر الذي يؤدى إلى تغيير الخلايا وحدوث المرض. والأمر نفسه يحدث مع العدوى، حيث إن التدخين يزيد من احتماليات تعرض الجسم للعدوى، خاصة الجهاز التنفسي، وتكرار العدوى يعد من محفزات الإصابة بالأمراض المناعية.
وأكدت الدراسة أن النتائج لا تعنى أن الفتيات اللاتي تعرضن للتدخين السلبى سوف يصبن جميعاً بالتهاب المفاصل المناعي، ولكن تعنى فقط زيادة عوامل الخطورة، ولذلك تنصح الآباء بالإقلاع عن التدخين، على الأقل في المنازل. كما يجب أيضاً منع التدخين في النوادي وتجمعات الأطفال والمراكز التجارية، خاصة أن هذه الإجراءات ساهمت في الحد من حجز الأطفال في المستشفيات جراء تفاقم الأزمة الربوية في الدول التي التزمت بها، بينما على النقيض تماماً لم تساهم في ذلك في الدول التي تسمح بالتدخين في الأماكن العامة.
- استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

الحليب الخام أم المبستر... أيهما أكثر صحة؟

صحتك أبقار من قطيع غير مشتبه به في حظيرة الألبان التعليمية بجامعة كورنيل بنيويورك (أ.ف.ب)

الحليب الخام أم المبستر... أيهما أكثر صحة؟

لا يتوقف الجدل حول صحة الحليب الخام في مقابل الحليب المبستر. فماذا يقول الخبراء؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك مريضة بالسرطان (رويترز)

علماء يستعينون بـ«الغراء» في تطوير علاج جديد للسرطان

طوَّر علماء يابانيون علاجاً جديداً للسرطان باستخدام مركَّب موجود في الغراء يسمى «أسيتات البولي فينيل PVA».

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك ارتفاع ضغط الدم تحدٍّ كبير للصحة العامة (رويترز)

10 علامات تحذيرية من ارتفاع ضغط الدم... وكيفية التعامل معها

بعض العلامات التحذيرية التي تنذر بارتفاع ضغط الدم، وما يمكنك القيام به لتقليل المخاطر:

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك المشي اليومي يسهم في تعزيز الصحة ودعم الحالة النفسية (رويترز)

6 فوائد صحية للمشي اليومي

أكدت كثير من الدراسات أهمية المشي اليومي في تعزيز الصحة، ودعم الحالتين النفسية والجسدية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك زيوت البذور يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون (رويترز)

للوقاية من سرطان القولون... تجنب استخدام هذه الزيوت في طهي الطعام

حذَّرت دراسة من أن زيوت البذور -وهي زيوت نباتية تستخدم في طهي الطعام، مثل زيوت عباد الشمس والذرة وفول الصويا- يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

للوقاية من سرطان القولون... تجنب استخدام هذه الزيوت في طهي الطعام

زيوت البذور يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون (رويترز)
زيوت البذور يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون (رويترز)
TT

للوقاية من سرطان القولون... تجنب استخدام هذه الزيوت في طهي الطعام

زيوت البذور يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون (رويترز)
زيوت البذور يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون (رويترز)

حذَّرت دراسة جديدة من أن زيوت البذور -وهي زيوت نباتية تستخدم في طهي الطعام، مثل زيوت عباد الشمس والذرة وفول الصويا- يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون.

وحسب شبكة «فوكس نيوز» الأميركية، فقد قام فريق الدراسة التابع لجامعة جنوب فلوريدا، ومعهد سرطان مستشفى تامبا العام، بتحليل 162 عينة ورم من مرضى سرطان القولون.

ووجد الباحثون أن الأورام تحتوي على «عدد زائد» من الجزيئات التي تسبب الالتهاب و«نقصاً» في الجزيئات المختصة بالشفاء.

وقال مؤلف الدراسة الدكتور تيموثي ييتمان، أستاذ الجراحة في كلية الطب بجامعة جنوب فلوريدا: «من المعروف أن المرضى الذين يتبعون أنظمة غذائية غير صحية يعانون من زيادة الالتهاب في أجسامهم. وتشمل هذه الأنظمة زيوت الطهي النباتية التي تستخدم على نطاق واسع».

وأضاف: «لقد وجدت دراستنا صلة كبيرة بين الالتهاب الذي قد تتسبب فيه هذه الزيوت، وبين ارتفاع خطر الإصابة بسرطان القولون. هذا السرطان يشبه الجرح المزمن الذي لن يلتئم مع نقص الجزيئات المختصة بالشفاء في الجسم. فإذا كان جسمك يعيش على هذه الزيوت يومياً، فإن قدرة هذا الجرح على الالتئام تقل بسبب الالتهاب، وقمع الجهاز المناعي الذي يسمح في النهاية للسرطان بالنمو».

وبالإضافة إلى «زيوت البذور المسببة للالتهابات»، أشار ييتمان أيضاً إلى أن هناك بعض الأطعمة التي قد تتسبب في هذا المرض، مثل السكريات المضافة، والدهون المشبعة، والأطعمة المصنعة.

وفي دراسات سابقة، وجد فريق الدراسة نفسه أن «النظام الغذائي غير المتوازن» يزيد أيضاً من خطر الإصابة بأمراض القلب، ومرض ألزهايمر، والسكري.

وأوصى الباحثون بالابتعاد عن الزيوت النباتية والأطعمة غير الصحية، والانتقال إلى تلك الغنية بالألياف وأحماض «أوميغا 3» الدهنية، والفواكه، والخضراوات، والحبوب الكاملة، وذلك لتقليل خطر الإصابة بسرطان القولون والخرف وكثير من الأمراض الأخرى.