ماكس نيسين
TT

وسائل فعالة ضد {كورونا}

لقد اغترّ العالم بما حققه اللقاح المضاد لفيروس «كوفيد» من نجاح، حيث ثبتت فاعلية عمليات تصنيع الجرعات التي تتم بسرعة بشكل استثنائي وهو ما جعل النتائج الضعيفة، التي كشفت عنها شركة «كيورفاك» الألمانية الأربعاء الماضي بشأن لقاحها الذي يعتمد على الحمض النووي الريبوزي المرسال «إم آر إن إيه»، محبطة بشكل كبير. وقد تبين أن فاعلية لقاح «كيورفاك»، الذي حظي سابقاً بدعم إيلون ماسك المتواصل والنتائج الممتازة التي حققتها لقاحات مماثلة له قائمة على الحمض النووي الريبوزي من شركات «موديرنا» و«فايزر» و«بيونتيك إس إي»، لا تتجاوز الـ47 في المائة في الوقاية من فيروس «كوفيد»، وهو ما تسبب في انخفاض أسهم الشركة بمقدار 50 في المائة بعدما شهدت ارتفاعاً في السابق.
وتمثل النتائج تراجعاً في مسار الجهود العالمية المبذولة من أجل تطعيم البشر، حيث أصدر الاتحاد الأوروبي أمراً بتصنيع 405 ملايين جرعة من لقاح «كيورفاك» الذي تم منحه تصريحاً طارئاً، وجعلت سهولة تخزينه منه مرشحاً جيداً بالنسبة إلى الدول منخفضة الدخل. مع ذلك إذا نظرنا إلى الأمر من منظور مختلف فسنرى أن الفشل يمثل خطوة باتجاه الاستقرار والحالة الطبيعية، ولا ينبغي أن تثير قدراً أكبر من التشاؤم بشأن الحمض النووي الريبوزي أو الأشكال المتحورة من الفيروس التي تزداد انتشاراً، والتي تحمّلها شركة «كيورفاك» مسؤولية حدوث تلك النتائج السلبية. كثيراً ما تخفق اللقاحات والعقاقير، حتى تلك التي يتم تطويرها وتصنيعها على مدى زمني طويل واختبارها في مواجهة أهداف أسهل من فيروس وبائي دائم التبدل والتحور. ويكون مستوى الإخفاق مرتفعاً بوجه خاص في حال استخدام الوسائل والتقنيات التكنولوجية الحديثة، وينطبق هذا على العقاقير التي تعتمد على استخدام الحمض النووي الريبوزي المرسال.
وفي الوقت الذي اختبرت فيه الشركة لقاحها في بيئة تتضمن تحديات أكبر مقارنة باللقاحات المنافسة القائمة على الحمض النووي الريبوزي، يبدو أن هناك لقاحات أخرى صامدة بشكل أفضل في مواجهة المتحورات للفيروس، وقد استخدم لقاح «كيورفاك» نهجاً مختلفاً من المرجح أن يكون من الأسباب التي أدت إلى تلك النتائج الضعيفة. مع ذلك تظل تكنولوجيا الحمض النووي الريبوزي واعدة بشكل كبير.
ما الذي حدث إذاً في حالة «كيورفاك»؟ تستخدم لقاحات الحمض النووي الريبوزي جزيئات الناقل داخل الجسم لتحفيز الخلايا على إفراز مادة، وهي في حالتنا هذه نسخة من «بروتين سبايك» الخاص بالفيروس تسبب الإصابة بفيروس «كوفيد»، وبالتالي تحفّز استجابة جهاز المناعة. مع ذلك يمكن للحمض النووي الريبوزي الغريب إثارة استجابة مختلفة غير مرغوب فيها، وتعدّل كل من شركتي «فايزر - بيونتيك» و«موديرنا» لقاحاتهما لتفادي حدوث ذلك. أما «كيورفاك» فقد اتخذت نهجاً مغايراً يقوم على الاعتقاد بأن استخدام حمض نووي ريبوزي طبيعي وغير معدّل سوف يؤدي في النهاية إلى تقوية وتعزيز نظام الدفاع في الجسم ضد الفيروس؛ وكانت تأمل أن يساعدها هذا التأثير في استخدام قدر أقل من الحمض النووي الريبوزي في الجرعة وهو ما يتيح لها الحد من الآثار الجانبية وتصنيع عدد أكبر من الجرعات بشكل أسرع. مع ذلك يبدو أن هذا الرهان قد فشل، حيث تشير التجربة إلى أن تلك الطريقة قد تحد من فاعلية اللقاح.
مع ذلك هناك حاجة إلى المزيد من التحليل لتحديد مدى تسبب النهج، الذي استخدمته «كيورفاك» أو المتحورات، أو غير ذلك من عوامل، في حدوث تلك النتيجة، لكن تجعل المعلومات المتاحة من الصعب اعتبار السلالات الجديدة هي السبب الوحيد لعدم فاعلية اللقاح. لقد كان المتحور، الذي تسبب في إصابة أكثر الحالات في التجربة، هو المتحور «ألفا» الذي تم رصده واكتشافه للمرة الأولى في المملكة المتحدة، وكان من المفترض أن يتمكن لقاح «كيورفاك» من التعامل معه. وتشير التجارب المعملية إلى أن هذا المتحور غير قادر على تجاوز الحماية التي يوفرها اللقاح، وحققت جرعة من لقاح «نوفافاكس» نجاحاً كبيراً في الوقاية من تلك السلالة في بداية الأسبوع الحالي. أما بالنسبة إلى المتحور «دلتا»، الذي يثير قلقاً أكبر، والذي تم رصده للمرة الأولى في الهند، فتلك السلالة لا تمثل سوى واحد في المائة من الحالات في تجربة «كيورفاك». وتشير دراسات في المملكة المتحدة واسكوتلندا إلى أن جرعتين من لقاح «فايزر - بيونتيك» توفران قدراً من الحماية يتراوح بين 79 في المائة و88 في المائة في مواجهة الفيروس على التوالي. حتى لقاح «أسترازينيكا»، الذي يعد أقل فاعلية، حقق حماية وصلت نسبتها إلى 60 في المائة.
مع ذلك ربما يكون هناك أمل في نهج «كيورفاك» خصوصاً مع تطبيق تكنولوجيا الحمض النووي الريبوزي على أمراض أخرى منها السرطان؛ لكن فيما يتعلق بفيروس «كوفيد»، يبدو أن الناقل أو المرسال المعدّل يحقق نتائج أفضل. ربما يمثل ذلك نبأ غير سار بالنسبة إلى المستثمرين في إنتاج لقاح «كيورفاك»، لكنه يشير أيضاً إلى أنه لا يزال لدينا أدوات ممتازة في المعركة ضد الوباء وربما فيما بعد ذلك.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»