مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

إني أغرق أغرق أغرق

بعض الشباب من الجنسين -خصوصاً في أوروبا وأميركا- يحبذون طريقة جديدة في الزواج لم يسبقهم إليها أحد، فتحدث من جراء ذلك بعض المشكلات، بل والمآسي غير المتوقعة. وبعدها، يقع الاثنان في (حيص بيص). وعندها، ما ينفع الصوت إذا فات الفوت.
وهذا هو ما حصل بالضبط للعريسين (ستيف جونيور) و(كينيشا أنطوان) عندما قررا أن يعقدا قرانهما تحت الماء؛ وكانت هذه الفكرة المجنونة من العريس، ووافقته عروسه على ذلك.
لبس كل منهما بدلة الغوص، ونزل إلى أعماق الماء، وحيث إن العريس لم يكن متدرباً على ذلك -يعني بالعربي غير الفصيح (غشيم ومتعافي)- أخذ يتخبط جراء كتم أنفاسه، وكانت عروسه تعتقد أنه يتخبط من شدة الفرح، فاستمرت في تصويره وهي في قمة السعادة. وبعد دقائق، لاحظت أنه لا يتحرك إطلاقاً، فعرفت أنه وقع في مأزق، وسارعت بالطلوع إلى سطح الماء، وأخذت تستنجد بالحضور، فقفز ثلاثة منهم لإنقاذه، وانتشلوه فعلاً وصعدوا به للأعلى، ليتفاجأ الجميع أنه جثة هامدة.
أخذت كينيشا ترقع بالصوت مولولة باكية، ثم قذفت بنفسها في الماء تريد الانتحار لتلحق به، لولا أن الحاضرين تداركوها وسيطروا عليها، ومن شدة حزنها أغمي عليها، فنقلوها سريعاً إلى أقرب مستشفى لإفاقتها، وأدخلوه هو في ثلاجة الموتى.
وكتبت الأرملة، فيما بعد، رسالة على صفحتها في (فيسبوك) موجهة إلى عريسها الراحل، تقول فيها:
لا توجد كلمات كافية أوجهها لروحك الجميلة، يا حبيبي ستيف، وسوف أغلق قلبي على الحب الذي تشاركنا فيه إلى الأبد.
انتهت رسالتها المفعمة بالعواطف، ولا أستبعد -بل إنني متأكد- أنها سوف تتزوج مستقبلاً من رجل آخر، وبالتأكيد أنه لن يتم عقد قرانهما تحت الماء، مثلما فعلت سابقاً، ولكنها سوف تتزوج مثل العالم والناس.
وبما أن موضوعنا اليوم كله عن أعماق البحار، فسوف أحكي لكم عن فكرة تفتقت عنها قريحة بعض الغواصين الهواة المتدينين الذين لا يريدون أن تفوتهم صلاة الجماعة، حتى لو كانوا في أعماق البحر: أنشأوا مصلّى تحت الماء اسمه (مسجد التوحيد)؛ ولقد شاهدت صوراً تلفزيونية لخمسة منهم يؤدون الصلاة. وقد تم بناؤه من مواد مقاومة للماء والضغط، ثم أنزلوه وثبتوه في الأعماق، مع إشارة واضحة لاتجاه القبلة.
لا أعلم ألا يدرك هؤلاء أن الله (سبحانه) يريد بنا اليسر لا العسر؛ يعني (حبكت) لا بد أن يصلّوا بهذه الطريقة التي لا يقدم عليها إلا من كان في عقله قليل -أو كثير- من الخلل.