مارك غونغلوف
TT

«كورونا» والثقوب في الجدار الأميركي العظيم

كثيراً ما يردد الأميركيون أن «أميركا الدولة العظمى على مرّ التاريخ». ومع ذلك، ثمة صعوبة متزايدة في تذكر السبب وراء هذا الاعتقاد الجازم.
من المؤكد أنه على بعض الأصعدة، تبدو هذه العظمة الأميركية جلية. على سبيل المثال، المتنزهات الوطنية الأميركية مذهلة، ونحن البلاد التي يوجد بها أكبر عدد من منافذ متجر «تريدر جوز» الشهير. ولا توجد دولة أخرى في العالم يثير علمها ذلك القدر من الخوف. ومع ذلك، يبدو إخفاق الولايات المتحدة أمام وباء فيروس «كورونا» المستجد واضحاً. ورغم ذلك، ما تزال البلاد تفتقر إلى خطة وطنية لاحتواء ذلك الوباء المتمرد. أما الولايات التي تركت وحدها تدافع عن نفسها في مواجهة الوباء، فتناضل من أجل اللحاق به. وربما نضطر لفرض حالة الإغلاق من جديد، في الوقت الذي شرع كثير من الدول الأخرى، بما في ذلك إيطاليا، التي لا تعرف عن حكومتها الكفاءة، في فتح اقتصادياتها واستعادة مظاهر الحياة الطبيعية.
في واقع الأمر، يبدو ذلك مجرد المؤشر الأحدث على أن الولايات المتحدة متخلفة عن باقي دول العالم المتقدم. في الوقت ذاته، ما زالت أعمال العنصرية الممنهجة مستمرة، بينما تتداعى البنية التحتية للبلاد، وتستمر أعمال العنف باستخدام الأسلحة، دونما هوادة. علاوة على ذلك، تعاني شبكة الأمان الاجتماعي حالة من التداعي. أما سمعة الولايات المتحدة باعتبارها أرض الفرص أمام المهاجرين، فتحولت إلى نكتة في عهد الرئيس دونالد ترمب.
ورغم كل ما تقدم، تبقى لدى الولايات المتحدة ميزتان هائلتان عن باقي دول العالم، قواتها العسكرية المتضخمة، وعملة احتياطية عالمية. وتبدو الميزة الأولى غير قابلة للمساس، بينما تواجه الميزة الثانية اختبارات تلو الأخرى. ورغم أن خطر التداعي الاقتصادي ما يزال يبدو بعيداً، فإن وقوع أزمة ديون ثانية ربما يسرع وتيرة وقوع هذا الأمر. وحتى هذه اللحظة، تمكن بنك الاحتياطي الفيدرالي من تجنب حدوث ذلك، لكن الخسائر آخذة في التفاقم، في الوقت الذي تسببت خطوات اتخذها ترمب في إلحاق الضعف بالتنظيمات المالية التي ترمي لتعزيز النظام الاقتصادي للبلاد.
في الوقت الراهن، تعني تكاليف الاقتراض المنخفضة أن الولايات المتحدة تملك وفرة من النقد، يمكن لها أن تلقيها في طريق جهود محاربة فيروس «كوفيد 19» والتداعيات الاقتصادية المترتبة عليه. غير أن تقريراً صدر حديثاً عن مكتب محاسبة الحكومة، أحد الكيانات الرقابية القليلة التي لم يُعق ترمب عملها، أشار إلى أن الحكومة تعاملت ببذخ وإهمال مع تريليونات الدولارات.
في الوقت ذاته، فإن إخفاقنا في وقف فيروس «كورونا» يعني أنها سنحتاج مزيداً من المحفزات المالية. ويجب أن نتعامل مع الجولة التالية من المحفزات بكفاءة أكبر.
وفي سياق متصل، تزداد منظومة الرعاية الصحية الأميركية الغريبة والمفتقرة إلى الكفاءة سوءاً في ظل أزمة تفشي وباء فيروس «كورونا» وما يترتب عليه من تداعيات اقتصادية.
وباستطاعة ترمب تجنب كل ذلك ببساطة، من خلال إدارة حكم البلاد على نحو أفضل، بل يمكن لذلك معاونته على الفوز بإعادة انتخابه. إلا أن جعبة الأدوات التي يعتمد عليها ترمب تبدو مقتصرة على التحريض العنصري، وابتكار إهانات جديدة بحقّ جو بايدن. ورغم ما سبق، يبقى أحد الأسباب الداعية للشعور بالأمل من أجل الولايات المتحدة أن نظامها مستمر في التصدي بنجاح لأسوأ الهجمات التي يشنها ترمب.
ومن بين المؤسسات التي شاركت في الفترة الأخيرة في إحباط أحلام ترمب، المحكمة العليا الأميركية. وقد أمل كثير من المحافظين الداعمين لترمب في أن تثمر جهودهم أحكاماً محافظة، خاصة ما يتعلق بقضية الإجهاض، لكن القاضي جون روبرتس مستمر في إحباط مثل تلك الآمال.
اليوم، انضمّ القاضي روبرتس إلى الليبراليين داخل المحكمة في صياغة قانون إجهاض تقييدي في لويزيانا. ويحمل ذلك مؤشرات على أنه انتقل إلى تيار الوسط داخل المحكمة، وسيحرم المحافظين من النصر الذي لطالما انتظروه بخصوص حقوق الإجهاض.
ورغم ذلك، فقد قدّم القاضي روبرتس فوزاً صغيراً لترمب بإصداره حكماً يقضي بحقه في طرد رئيس مكتب الحماية المالية للمستهلك في أي وقت يشاء. إلا أن هذا يعني كذلك أنه حال فوز بايدن بالرئاسة مستقبلاً، فإنه سيكون باستطاعته طرد المدير الحالي للمكتب الذي عيّنه ترمب، وتعيين مدير آخر مكانه أكثر وداً تجاه المستهلكين.
وفي خضم كل ذلك، لا تناضل الولايات المتحدة في فراغ، وإنما يقف في مواجهتها غريم ضخم وصاعد، الصين، التي يمكن أن تقضي العقود المقبلة في محاولات حثيثة لانتزاع دفة القيادة العالمية من يد الولايات المتحدة.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»