حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

أحداث وانتخابات!

هناك قلق متصاعد في الداخل الأميركي من تمادي حالات القوى «المتمردة» في صفوف اليمين واليسار الأميركيين، وكلاهما يشترك في مسألة واحدة؛ وهي شكهما وكراهيتهما للنظام الفيدرالي وكيف أصبح «يهدد من حرياتهم»، بحسب تعريفهم. فالميليشيات العنصرية البيضاء يقابلها في الطرف الآخر القوى اليسارية المتطرفة، التي لم تظهر في الظروف الحالية فقط، لكنها ظهرت قبل ذلك في عهد الرئيس السابق باراك أوباما تحت اسم «احتلال وول ستريت»، وهي، مثل غيرها، حركة تعتبر نفسها مناهضة للفاشية، وزيادة حجم التسلح المنتشر في حالة استقطاب شعبي غير مسبوق جعل بعض المحللين يتوقعون مناخاً يشبه الحرب الأهلية.
أيضاً هناك رهان أن أميركا وبعد الأحداث العنصرية الأخيرة ستخرج أكثر قوة، خصوصاً فيما يتعلق بالعلاقات بين البيض والأقليات. وهذا له أسبابه، فالقيم التي أسست عليها أميركا من ديمقراطية وقدسية الحرية وفصل السلطات واستقلاليتها منحتها قدرة استثنائية على تصحيح أخطائها، حتى لو اضطر الرجل الأبيض لأن يقتل رجلاً أبيض آخر لتحرير الرق الأسود، كما حدث في الحرب الأهلية.
وهناك أيضاً التداول السلمي والديمقراطي والحضاري للسلطة، وانتخابات حرة وشفافة، يمكنها دائماً من الخروج من أزماتها أكثر قوة وصلابة، لأن الفائز فيها يأتي بشرعية تمكنه من صنع التغيير تماماً كما حصل مع روزفلت في الانتخابات التي جاءت به مع أزمة الكساد العظيم في العشرينات من القرن الماضي، وتمكن من صياغة الصفقة الجديدة (the new deal). وهناك قانون الحقوق المدنية الذي أقره ليندون جونسون (أعده جون كيندي قبل اغتياله) مع عدم إغفال القوانين التي صدرت في عهد الرئيس إبراهام لينكولن في أحداث الحرب الأهلية. ولذلك هناك تعاطف لافت من الناخب الأبيض مع قضية عرقية حقوقية تخص المواطنين من أصول أفريقية، ما يعني أنها لحظة «تغيير» كبرى تخص الحزبين في الانتخابات الرئاسية سيكون عليهما مخاطبتها بشكل جاد وجذري. لذلك كان لافتاً تغطية الأحداث العنصرية الأخيرة مع خبر عودة أميركا إلى سباق الفضاء بإطلاق «سبيس إكس».
بعد «كورونا» أعتقد جازماً أن أميركا سواء أكانت تحت إدارة الديمقراطيين أو الجمهوريين ستعمل على الدخول في عهد اقتصادي ورقمي وتقني يقوم بشكل أساسي على فكرة استعادة أدواتها من الصين إلى الأرض الأميركية عملاً بعولمة حمائية جديدة، حتى لو كانت على حساب تكلفة إنتاج مرتفعة إلا أن المصلحة القومية أهم.
هذا السيناريو المستقبلي يؤرق الصين ويفزع قادتها لأنهم متأكدون أنه لا إطار للتفوق الصيني العالمي إلا من خلال عولمة ليبرالية تجعل من الصين «نموذجاً» للقيم والحرية، وأيضاً مصنعاً للسلع والخدمات بتكلفة منخفضة جداً. وهذه الخلطة غير ممكنة في الصين.
سقوط أميركا ليس الآن وصعود الصين كنظام عالمي بديل لم يحن وقته. فزعامة العالم تتطلب جدارة معنوية وقيمية وتقنية متقدمة وفاعلة وليست مسروقة أو مقلدة. باختصار سندخل في مرحلة نظام عالمي ممركز وحمائي في قطبه الأقوى، لأن معنى أن تكون طرفاً فاعلاً ومؤثراً في نظام عالمي جديد يأتي بالجدارة والاستحقاق وليس بالمنة والتمني والادعاء.
هناك إدراك شعبي في أميركا أنهم أمام «لحظة تاريخية» لو أحسن استغلالها لكانت انطلاقة مهمة لبلادهم على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ولذلك ليس من باب المبالغة وصف الانتخابات الرئاسية المقبلة بأنها الأهم في تاريخها الحديث.