حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

انتخابات ملتهبة!

العنصرية هي سرطان الشعوب. مقولة لا تغيب عن أذهاننا وتزداد أهمية مع مراقبة تداعيات المشهد الغاضب في كثير من المدن الأميركية، نتاج مقتل أحد المواطنين من أصول أفريقية على أيدي مجموعة من رجال الشرطة بصورة وحشية.
لم يكن هذا المشهد المتشنج الوحيد على الساحة الأميركية، فهناك المعركة الملتهبة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ووسائل التواصل الاجتماعي عموماً وموقع «تويتر» تحديداً، التي يحدث فيها تراشق بين مفاهيم حرية الرأي وتقنينه، ولم تكن هذه الواقعة الوحيدة التي أججت الإعلام في أميركا، ولكن هناك أيضاً واقعة اعتقال مراسل قناة «سي إن إن»، وهو يبث تقريره على الهواء من مدينة منيابوليس قلب الحدث، فيما يتعلق بالمظاهرات المعارضة لحادثة مقتل جورج فلويد، ومن بعد ذلك اعتقال باقي الفريق الفني المصاحب من مصور ومعد، في سابقة لا تحدث إلا في جمهوريات الموز ودول الطغاة.
وصعّد الرئيس الأميركي في لهجته ضد المتظاهرين، وتهديدهم بإطلاق النار عليهم وهو موقف لم يساعد في تهدئة الوضع بين المتظاهرين، الذين ينتمون إلى فئة من المجتمع كانت الأكثر تضرراً صحياً واقتصادياً من تبعيات جائحة «كوفيد - 19»، وبالتالي هذه المظاهرات فجرت مجموعة متضاربة ومهمة من الأحاسيس بالظلم والخوف والقهر. ومن الجدير بالذكر أن الأزمة الاقتصادية الحالية الناتجة من «كوفيد - 19» تسببت في فقدان 40 مليون أميركي لوظائفهم، مقارنة بثلاثة ملايين فقط فقدوا وظائفهم في الأزمة الاقتصادية الكبرى في عام 2008.
وعلى الصعيد الدولي، صعّد الرئيس الأميركي من لهجته الحادة ضد الصين، وجدد اتهامه لها بأنها وراء انتشار الفيروس وإضرار العالم جراء ذلك وأصدر قراراً لافتاً بتقييد دخول وقبول الطلبة الصينيين الذين «قد يهددون الأمن الوطني الأميركي»، وتبع ذلك بإعلان مهم قرر بموجبه قطع علاقة الولايات المتحدة مع منظمة الصحة العالمية، بسبب «سوء إدارتها وتسييسها للجائحة». كل ذلك يحدث في سنة انتخابات رئاسية أميركية يبدو أنها لن تكون كأي من سابقاتها، ترمب يبدو مضطرباً جداً في مؤتمراته الصحافية وتغريداته، وهو يشاهد الانهيار الكامل لإنجازاته الاقتصادية التي بنى عليها آماله في الفوز مجدداً بالرئاسة، ولكن في المقابل منافسه الديمقراطي جو بايدن يبدو ضعيفاً وغير مقنع، وبالتالي من المتوقع أن تكون نتيجة الانتخابات «قريبة جداً» مع عدم الإقلال من احتمالية اللجوء إلى العنف، خصوصاً من بعض أنصار ترمب المنتمين للميليشيات العنصرية البيضاء المسلحة، الذين «ظهروا» في العلن معترضين على «الحظر المنزلي الإجباري»، ومبدين دعمهم لترمب في قرار فتح الاقتصاد.
يكثر مؤخراً طرح سيناريو إمكانية «تأجيل» الانتخابات، وهذه مسألة شبه مستحيلة، لأن قرار التأجيل قانونياً يجب أن يخرج من مجلس النواب الذي يقع تحت سيطرة الحزب الديمقراطي المنافس، والذي بطبيعة الحال لن يسمح بذلك. أراقب بدهشة وحسرة ما يحدث في أميركا على صعيد القيادة والإعلام. إعلام أين هو من «العم» والتر كرونكايت رمز المصداقية والثقة، وبن برادلي أهم رؤساء التحرير، وبوب وودوارد وكارل بيرنستين أهم محققين صحافيين. ليس من حق شخص شرق أوسطي أو من العالم الثالث أن «ينظّر» على أميركا عن الديمقراطية وحرية الإعلام، ولكن بالنسبة لكاتب هذه السطور الذي تخصص في العلوم السياسية والإدارة وعشق الإعلام في جامعاتها وصحفها، لا بدَّ أن يقلق على بلد كان منارة للحريات والحقوق.
اليوم هناك مناخ متنمر وعنصري أصاب العالم بعدوى قبيحة، فثقل أميركا ليس كغيرها، ولكن يظل الأمل قائماً أن هناك صناديق للاقتراع والانتخاب تمكن الناخب من تصحيح أي مسار خاطئ وضار. الانتخابات هذه السنة تحمل في طياتها مشاهد «قتالية» و«انتقامية»، ولكن هناك جائزة كبرى تنتظر الفائز وهي سيادة العالم من المكتب البيضاوي بالجناح الغربي بالبيت الأبيض، وقد يكون من أهم أسباب حسم نتيجة القرار النهائي للناخب الأميركي هو اسم المرشح لمنصب نائب الرئيس على بطاقة جو بايدن والحزب الديمقراطي، لأنه سيكون المنافس الحقيقي لترمب. سنة 2020 تواصل الإدهاش!