إميل أمين
كاتب مصري
TT

الشراكة الأميركية وأمن الخليج العربي

من بين الموضوعات المثيرة للتساؤل في الفترة الأخيرة، تطفو على السطح إشكالية أمن الخليج العربي، ولا سيما في ظل التهديدات الإيرانية المستمرة.
«هل واشنطن تتراجع عن وعودها التي تمليها عليها الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج، في تحمّل جزء من مسؤولية الدفاع عن تلك المنطقة الحيوية من العالم؟».
مؤكد أن السبب المباشر وراء طرح السؤال المتقدم هو عملية إعادة الانتشار الأميركية لبعض قواتها في المنطقة، وقد فهم البعض أن واشنطن ربما تكون على تواصل سري مع إيران، أو أن اتفاقاً مع الملالي في الطريق، ومرد هذا الفهم يعود في جزء منه إلى تغريدة مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي التي أورد فيهم مصطلح «الصلح»، لأجل الخير العام.
لا أحد في واشنطن يثق بإيران الثورة، منذ أربعة عقود وحتى الساعة، والجميع يدرك أننا أمام نظام ثيولوجي يسخّر منطلقات «التقية» لتحقيق أهداف ما ورائية؛ ولذلك تبقى الثقة في أي وعود أو إرهاصات بوعود إيرانية، ضرباً من ضروب الجنون، كما أن تسويف الوقت سيفيد إيران وبرنامجها النووي.
هل تسعى واشنطن لإرخاء الحبل واسعاً لإيران حتى تلفه على رقبتها؟
هناك من التصريحات الأميركية عالية المستوى ما قد يدفع المرء لليقين بأن ذلك يمكن أن يكون كذلك قولاً وفعلاً، فعلى سبيل المثال يعترض الممثل الأميركي الخاص لإيران، برايان هوك، على المفهوم الضمني الذي يذهب إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تنظر إلى خصمها القديم إيران على أنه تهديد، ويؤكد أن ارتفاع أو انخفاض مستويات القوات الأميركية في المنطقة يعني أن إيران لم تعد تشكل تهديداً.
يؤمن الرئيس ترمب إيماناً قاطعاً جازماً بأن آخر العلاج هو الكي، وليس سراً أن هناك خططاً موضوعة لإجراءات تأديبية تجاه إيران قبل أكتوبر (تشرين الأول) المقبل؛ فالخرق الإيراني يتسع على الراتق الأميركي، يوماً تلو الآخر؛ ما يجعل اضمحلال التهديد الإيراني رطانة كلامية من غير فائدة.
عند خبراء الاستراتيجيات الكبرى حول العالم أن الهدف الأصلي لا يغيب عن أعين واضع المخططات، غير أن الطريق إلى بلوغها قد يتعدل أو يتبدل، من الذهاب في مسار رئيسي لا تلوي عنه شيئاً، وبهذا يكون واضحاً أمام الجميع ما الذي يجري من تصادم في الزحام أو احتكاك في الظلام، إلى الالتفات حول التضاريس الجغرافية تارة والديموغرافية تارة أخرى تبعاً لتحركات بيادق الخصم على رقعة الشطرنج الأممية، بقصد اقتلاع رأس الذئب المرصود.
بالضبط هذا ما أشار إليه برايان هوك؛ إذ أكد أن المهمة المحددة هي نفسها لم تتغير على الإطلاق، والرجل يكاد يقسم بأغلظ الإيمان بأن واشنطن لا تزال تقف مع شركائها وحلفائها في المنطقة، وتفعل كل ما في وسعها من أجل حماية المصالح الأميركية.
من الصعوبة بمكان أن تعدل أو تبدل إيران مواقفها مرة واحدة، وأن تنتقل من معسكر الصقور إلى الحمائم، وإلا فإن مشروعها الثوري برمته ومسيرة أربعة عقود سوف تنفض عن اللاشيء.
ربما لهذا كان «الحرس الثوري» يظهر في المشهد، مؤكداً أن المرشد لم يذهب أبداً في طريق إبداء رغبة في عقد اتفاق سلام مع الولايات المتحدة، وما نشر من تغريدة لخامنئي هو أمر من فعل أحد مساعديه الذي اقتبس بضع عبارات من خطاب قديم له في ذكرى ميلاد الإمام الحسن بن علي.
«الحرس الثوري» القابض على جمر إيران، يرى أن أي تفسير غير ذلك هو خيانة، ما يقطع الطريق ولو ظاهرياً على القول بصفقة أميركية - إيرانية قادمة.
الوعد الأميركي على لسان هوك واضح: «الردع شيء تسهل خسارته، لكن الحفاظ عليه هو سياسة عليك تنفيذها، وسنواصل العمل مع السعوديين والإماراتيين وجميع شركائنا في المنطقة».
ومع ذلك جيد للنفس أن تترك هامشاً من الشك في كل الأحوال... لا عدو دائم أو صديق مقيم، إنها مصالح تتصالح وتتصارع، والمخاض مستمر.