آدم مينتر
TT

على قادة العالم التحرك لمواجهة فيروس الصين القاتل

لم تكن الصين مستعدة على الإطلاق عندما ظهر الفيروس الذي أصبح معروفاً اليوم باسم «سارس» أواخر عام 2002، ومن بين أوجه القصور، لم يكن لدى الحكومة تقريباً أي بنية تحتية طبية أو إدارية تعينها على الرصد والاستجابة حال حدوث وباء، ناهيك بإخطار باقي العالم بالخطر الوشيك. وعليه، أُصيب الآلاف ومات منهم نحو 800 شخص، وتكبد الاقتصاد العالمي خسائر بقيمة 40 مليار دولار على الأقل.
اليوم، تقف الصين في مواجهة مرض ناشئ آخر، أصبح يُعرف باسم كورونا، الذي يبدو أن جذوره تعود إلى إحدى الأسواق المبتلاة في ووهان. حتى الآن، لا تزال حصيلة قتلى الفيروس الجديد ضئيلة، بينما أُصيب المئات، وربما هناك مئات غيرهم مصابون لكن لم يتم رصدهم. ومثلما الحال مع «سارس»، ينتقل هذا الفيروس بين البشر، والأسوأ أنه بدأ في الانتشار في وقت شرع ملايين الصينيين في الاستعداد للسفر من أجل احتفال برأس السنة القمرية. أما النبأ السار فهو أن الصين قضت عقدين في العمل على تحسين قدرتها على الاستجابة لتفشي الأوبئة. ورغم أن الاستجابة الصينية هذه المرة بعيدة تماماً عن كونها نموذجية، فإنها تظل أفضل بكثير من حالة الفوضى التي أثارها «سارس».
أما النبأ المؤسف فهو أن الأوبئة لا تحترم الحدود. وقد أعلن مسؤولون أميركيون، الثلاثاء، أن شخصاً قادماً من الصين إلى ولاية واشنطن اتضحت إصابته بالفيروس. ومنذ إعلان الصين عن أول حالة إصابة بالفيروس الجديد نهاية ديسمبر (كانون الأول)، ظهرت حالات مستوردة في كل من كوريا الجنوبية واليابان وتايلند. الأسوأ من ذلك، أنه لا يبدو أن أياً من الصين أو دول العالم الأخرى على استعداد للسيناريو الأسوأ: تفشي وباء عالمي قادر على قتل أضعاف مضاعفة لعدد من أُصيبوا بـ«سارس».
في الواقع، الأوبئة العالمية ليست بالأمر الجديد، فقد سبق أن محا الطاعون الدملي 50 مليون أوروبياً في القرن الـ14. ومن المحتمل أن تكون «إنفلونزا الخنازير» قد تسببت في قتل 570 ألف شخص على مستوى العالم خلال العام الأول فقط. أما الجديد، فهو الوتيرة المتسارعة التي تنتشر بها الأوبئة. بين عامي 2011 و2018، تتبعت منظمة الصحة العالمية 1483 حالة تفشي أوبئة في 172 دولة.
ومع أن بعض الحالات كان العدد فيها ضئيلاً نسبياً، لكن بعضها - مثل «إيبولا» ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية - حصد أرواح الآلاف وسبّب خسائر بمليارات الدولارات. ودائماً ما يكون هناك مزيد من الأوبئة الناشئة: رصدت منظمة الصحة العالمية حالتي تفشي لمرضين في أسبوع واحد في منطقة غرب المحيط الهادي، التي تسكنها 1.9 مليار نسمة. ونتيجة النمو السكاني وتزايد التفاعلات بين البشر والحيوانات البرية والتغييرات المناخية، لا تزال الوتيرة في تسارع مستمر.
ويعد هذا خطراً بذات مستوى خطورة الحرب على أدنى تقدير، أو كارثة طبيعية مثل البركان، أو أسوأ السيناريوهات الإرهابية الممكنة. إلا أنه بدلاً من الاستجابة لهذا التهديد على نحو استباقي، سقط الجزء الأكبر من المجتمع العالمي في دائرة من «الذعر والإهمال» يجري في إطارها ضخ موارد هائلة حال تفشي وباء، ثم تنحسر الموارد بمجرد انحسار الوباء من الذاكرة الجمعية. وبسبب هذه الدورة، تقف غالبية الدول دونما موارد كافية لرصد والسيطرة على وعلاج الأمراض المعدية الجديدة.
عام 2019، أصدرت «مبادرة التهديد النووي» ومركز «جونز هوبكنز للأمن الصحي» مؤشراً للصحة الأمنية العالمية، عبارة عن تقييم شامل لـ195 دولة. وراجع التقييم العشرات من المعايير - مثل قدرة دولة ما على الحيلولة دون ظهور أمراض ومدى التزامها بالمعايير الصحية العالمية- وخلص إلى نتيجة مثيرة للقلق البالغ: «يتسم الأمن الصحي الوطني على مستوى العالم بضعف جوهري».
ومن غير المثير للدهشة أن نجد الدول الأعلى دخلاً تسجل مستوى أداء أفضل عن الأخرى صاحبة الدخل الأقل، لكن «لا توجد دولة لديها استعداد كامل لمواجهة الأوبئة والكوارث». كما تبدو النتائج المحددة مثيرة للقلق، فقد تلقى 19% فقط من الدول أعلى درجة تقييم عن الرصد والإبلاغ، وما يقل عن 7% حصل على الدرجة العليا في التقييم عن القدرة على منع ظهور أوبئة، وأقل من 5% مؤهل للاستجابة السريعة لتفشي وباء.
وكثير من هذه النتائج ظل معروفاً طوال عقود، ومع هذا لم تُبذل نتائج تُذكر لتناول هذا الأمر. ويبدو هذا الوباء الجديد فرصة جيدة لإعادة تقييم هذه السلبية، وإمعان النظر في الخطط وخرائط الطريق الكثيرة التي وضعها خبراء على مر السنوات لتعزيز مستوى الاستعداد العالمي.
ومن بين أهم المقترحات أفكار تتعلق بتوفير تمويل للأسواق الناشئة المفتقرة إلى الموارد اللازمة لتحسين البنية التحتية المتعلقة بالصحة، مثل بناء صندوق عالمي للأمن الصحي. من جهتها، تقدر الأكاديمية الوطنية للدواء أن إنفاقاً عالمياً بقيمة 4.5 مليار دولار سنوياً سيكون كافياً لإعداد العالم لمواجهة الوباء المقبل. أما البدائل، فأكبر فداحة بكثير وتتمثل في خسارة هائلة في الأرواح وخسائر اقتصادية ربما تقدر بتريليونات الدولارات.
بطبيعة الحال، من الصعب بناء اتفاق عالمي حول قضية ما، لكن الأمر يزداد صعوبة عندما يتعلق بتخطيط طويل الأمد والتضحية بأموال - مهما كانت محدودة - من جانب الدول الثرية. ويدرك صانعو السياسات الساعون لتناول قضية التغييرات المناخية هذه الحقيقة جيداً. إلا أنه لو أن هناك قضية تستحق أن يقف العالم موحَّدَ الصف خلفها، فهي إذن حماية الصحة العالمية. وينبغي النظر إلى تفشي الفيروس الصيني الأخير باعتباره فرصة على هذا الصعيد.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»