حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

لماذا رياض سلامة؟

بالتدريج وبشكل ممنهج أصبح رياض سلامة ومصرف لبنان «وجه العدو» للحراك الشعبي في لبنان، بعد أن كان الشعار المرفوع «كلن يعني كلن». هذا التطور له علاقة بالأحداث الأخيرة التي حصلت في المنطقة وتحديداً المواجهة والتصعيد في المواقف بين الولايات المتحدة وإيران، بعد الخلاص من الذراع الإرهابية لنظام إيران، زعيم ميليشيا «فيلق القدس» قاسم سليماني. هذا الحدث كان بمثابة الزلزال المدوي وسط صفوف قادة ميليشيات إيران الإرهابية في المنطقة، وعلى رأسهم حسن نصر الله زعيم ميليشيا «حزب الله» الإرهابية الذي زادت الحراسة عليه بشكل هستيري، وكما وصفه مؤخراً أحد المقربين من دائرته «إنه يتحسس رقبته كثيراً وبعصبية وتوتر وقلق».
الرسالة الأهم في مقتل قاسم سليماني هو أنه لا أحد في مأمن، وبالتالي هناك اعتقاد عميق في دائرة صناعة القرار بـ«حزب الله» أن هناك صفقة واتفاقاً سيسعى إليه نظام إيران مع أميركا لأجل إنقاذ نفسه قبل فوات الأوان، وعليه فإن الحزب وأنصاره باتوا يعتبرون مصرف لبنان وحاكمه العدو الأول، لأنه المؤسسة الوحيدة في منظومة الحكم اللبنانية (عكس مقام رئاسة الجمهورية ومقام رئاسة مجلس النواب ومقام رئاسة الوزراء الواقعين تحت سيطرة الحزب بشكل تام) الباقية خارج دائرة النفوذ، وهو أيضاً الأداة الغليظة التي يتم استخدامها لمعاقبة الحزب مالياً وتضييق الخناق عليه، وإيذاء المصارف والأشخاص الذين يسهلون عمليات الحزب.
اليوم عملياً لم يعد لواجهات الحزب المالية من أبناء طائفته من وجود «مصرفي» إلا من خلال بنوك في غرب أفريقيا وفي فنزويلا. القطاع المصرفي اللبناني أنهك تماماً في الآونة الأخيرة وظهر ذلك الأمر بجلاء ووضوح بعد أمر الروس الموجه إلى نظام الأسد، بضرورة السداد الفوري لمبلغ أربعة مليارات دولار نظير الدفاع عنه، وهو الأمر الذي أدى إلى تشنج غير مسبوق في نظام الأسد وجمد أرصدة جميع رجال الأعمال المحسوبين عليه وصادر أموالهم وأصولهم، بما في ذلك ما يتعلق برامي مخلوف ابن خال بشار الأسد وأبرز رجال أعمال النظام. لم يتوقف الأمر هناك ولكن تم سحب 850 مليون دولار، وزاد المبلغ بعد ذلك وصولاً إلى مليار ومائتين وخمسين مليون دولار من البنوك اللبنانية، وتحديداً من حساب شخصيات محسوبة على النظام السوري، وهو الأمر الذي أدى إلى أزمة دولارية غير مسبوقة انهارت معه قيمة الليرة اللبنانية والسورية في آن، وأيقنت دوائر صناعة القرار في مصرف لبنان أن لبنان بات فعلياً يمول النظام اللبناني والنظام السوري وبعض الجيوب في النظام الإيراني والفلسطيني، وهذه مسألة غير قابلة للاستدامة ولا الاستمرار. وزاد الضغط من قبل «حزب الله» وإعلامه ومرتزقته بالهجوم على المصارف ومصرف لبنان، واتهام رياض سلامة بأبشع التهم، وصولاً إلى التخوين.
لمحت وسائل إعلامية محسوبة على «حزب الله» والتيار الحاكم «إلى ضرورة» تغيير رياض سلامة لأنه «رأس المشكلة»، ولكن وصل الرد إلى الحكومة اللبنانية بأن هناك «فيتو أميركياً» على قرار كهذا سيؤدي إلى عقوبات غير مسبوقة تطال لبنان بشكل مدمر. «حزب الله» عموماً وحسن نصر الله تحديداً في حالة قلق غير مسبوق، وتنصيب رياض سلامة في وجه المدفع هو مجرد محاولة فرض أمر واقع جديد على الأرض.