ليونيد بيرشيدسكي
TT

عقوبات أميركية ضد روسيا بعد فوات الأوان

أخيراً، سيبدأ سريان العقوبات التي لطالما هددت بها الولايات المتحدة ضد خط أنابيب «نورد ستريم2» الروسي للغاز الطبيعي والواصل إلى ألمانيا بتكلفة 10.5 مليار دولار، الأسبوع المقبل. لكن توقيت العقوبات وفحواها لا يمكنهما سوى مجرد إبطاء وتيرة تنفيذ المشروع الذي أوشك على الاكتمال. ومع هذا، تشعر أوكرانيا، المتضرر الرئيسي من خط الأنابيب الجديد، بالامتنان تجاه هذا الموقف من جانب واشنطن.
كانت العقوبات التي صاغها السيناتور تيد كروز؛ الجمهوري من تكساس، وجين شاهين، السيناتور الديمقراطية من نيوهامبشاير، قد ألحقت بقانون المخصصات الدفاعية الوطنية لعام 2020، والذي تمت الموافقة عليه بالفعل من جانب الكونغرس وتعهد الرئيس ترمب بالتوقيع عليه. وسيكون أمام وزارتي الداخلية والخزانة 60 يوماً لتقديم قائمة إلى الكونغرس بأسماء الكيانات المشاركة في بناء «نورد ستريم 2» وخط أنابيب روسي آخر هو «توركستريم»، والأفراد والشركات المتعاونين معها. وسيتاح 30 يوماً لهؤلاء الأفراد والكيانات كي ينهوا تعاونهم أو سيتم حظر دخولهم الولايات المتحدة ومن الممكن أن تتعرض أصولهم للتجميد.
وتأتي العقوبات في وقت متأخر للغاية لا يسمح بالإضرار بـ«توركستريم» الذي يمتد أسفل البحر الأسود إلى الجانب الغربي من تركيا. وانتهى العمل من جزء خط الأنابيب الذي يمر أسفل الماء، بل وامتلأ بالغاز الطبيعي الروسي. وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن خط الأنابيب سيعمل بداية من مطلع يناير (كانون الثاني) المقبل.
ويعدّ «نورد ستريم2»؛ خط الأنابيب الآخر المار أسفل بحر البلطيق ويمكّن روسيا من تجنب شحن الغاز الطبيعي من فوق سطح الأرض عبر أوكرانيا، شأناً آخر.
كانت شركة «غازبروم» الروسية التي تحتكر تصدير الغاز الطبيعي بالبلاد، تنوي في الأصل إنجاز خط الأنابيب قبل نهاية العام، وكانت لا تزال أمامها فرصة لفعل ذلك في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عندما أصدرت الحكومة الهولندية تصريحاً لإجراءات وضع خط الأنابيب أسفل مياهها، لكن الطقس السيئ تسبب في تحويل عملية البناء لحالة من الفوضى. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، تعهدت الشركة القائمة على المشروع بإنجازه «خلال الشهور المقبلة».
في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قال ديمتري كوزاك، نائب رئيس الوزراء الروسي لشؤون الطاقة، إن «نورد ستريم 2» سيبدأ العمل في منتصف 2020.
ورغم المهلة الفعلية التي وفرتها العقوبات الأميركية خلال 90 يوماً، فإن آخر 168 كيلومتراً على طرفي خط الأنابيب ربما لا تكون قد أنجزت بحلول بدء سريان الإجراءات العقابية. ومن غير المحتمل أن تتحدى «ألسياس»؛ شركة المقاولات التي تتخذ سويسرا مقراً لها وتعمل الآن في بناء «نورد ستريم2»، العقوبات الأميركية إذا لم تكن أنجزت عملها بحلول ذلك الوقت.
حينئذ؛ سيتعين على «غازبروم» الاعتماد على السفينة الوحيدة القادرة على إرساء الأنابيب التي تملكها: «أكاديميشان تشرسكي»، في إنجاز المشروع؛ مما يعدّ سيناريو بطيئاً ومبهماً، رغم تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن العمل في «نورد ستريم2» لن يتوقف.
وكان يمكن للكونغرس اتخاذ موقف أكثر صرامة بكثير من خلال عقوباته، وكان بإمكانه الإضرار بشدة بالمستثمرين في مشروع «نورد ستريم2»، وجميعهم شركات طاقة أوروبية كبرى: «إنرجي إس إيه» و«أونيبر إس إي» و«أو إم في» و«وينترشالديا» و«رويال دوتش شيل». وكان باستطاعته فرض عقوبات ضد الديون الروسية. وكان باستطاعته أن يجعل من المستحيل استيراد المعادن اللازمة لبناء خطوط الأنابيب الروسية وإجراء عمليات الصيانة والإصلاح بها. وقد جرى التفكير في جميع هذه الإجراءات خلال فترات مختلفة، لكن جرى التخلي عنها من أجل تجنب الدخول في مواجهة كبرى مع الاتحاد الأوروبي وإحداث حالة فوضى بالأسواق المالية.
وحسب الوضع الحالي، تبدو الإجراءات العقابية أقرب إلى أن تكون إجراءات انتقامية ومجرد تحركات يقصد بها إثارة ضيق الأطراف المقابلة، لكنها لن تغير شيئاً في الواقع. واليوم، لم يعد من الممكن وقف تنفيذ خطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الكبرى الرامية لإمداد أوروبا بالغاز الطبيعي من خلال تجاوز أوكرانيا، وإمداد الصين بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب «باور أوف سيبيريا» الذي افتتح لتوه. بل وربما يكون التأخير المحتمل في «نورد ستريم2» مفيداً لروسيا بصورة ما.
من ناحية أخرى، ومهما كان حرص من صاغوا العقوبات الأميركية على عدم الإضرار بحلفاء أوروبيين، يبقى لدى ألمانيا شعور بالغضب. والخميس الماضي، نشر وزير الخارجية الألماني هيكو ماس تغريدة رداً على العقوبات الأميركية كتب فيها: «سياسة الطاقة الأوروبية ستتحدد في أوروبا، وليس في الولايات المتحدة. ونرفض بشكل كامل التدخلات الخارجية والعقوبات العابرة للحدود». ونظرياً، يمكن للاتحاد الأوروبي الانتقام بفرض رسوم على الغاز الأميركي المسيل.
وترغب أوكرانيا في إقرار اتفاق طويل الأمد محل الاتفاق الحالي مع روسيا، لكن لا ترغب روسيا في إلزام نفسها باتفاق طويل. ومن شأن تأخير تنفيذ «نورد ستريم2» إصابة روسيا بالتوتر وتقوية المركز التفاوضي لأوكرانيا.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»