خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

رقابة المسرح

المفروض في كل الدول أن يراعي المؤلف والمخرج المصلحة العامة وحساسيات البلد والرأي العام في تقديم أي مسرحية. هكذا امتنع برنارد شو عن كتابة مسرحية عن النبي. وعندما لا يراعي ذلك فتقوم السلطات بالتدخل ومنع المسرحية أو تعديلها. واجهت ذلك قبل سنوات عندما كتبت في لندن مسرحية عن المشكلة الفلسطينية. رفض أسقف الكنيسة السماح بتقديمها في كنيسته. قال هذا موضوع شائك ويعرّض الكنيسة لمشاكل. وقبل بضعة أشهر امتنع مسرح الرويال كورت في لندن عن تقديم مسرحيتي عن «داعش» «All in the Name of Jihad «(كل شيء باسم الجهاد)؛ خوفاً من أن يقوم الإرهابيون بنسف المسرح.
في كثير من الأحوال يواجه المسرح ما أسميه بالرقابة الشعبية. عندما يعترض الجمهور أو فئات من المجتمع على تقديم عمل مسرحي لأسباب دينية أو أخلاقية أو سياسية. ويعبر القوم عن اعتراضهم أحياناً بمهاجمة المسرح أو إحداث جلبة أو هتاف أو صراخ أو صفير أثناء تقديم الفرقة عملها الفني. وأحياناً يضربون الممثلين والممثلات بالبيض أو الطماطم، ونحو ذلك. حدث الكثير من ذلك في آيرلندا بسبب الحساسيات الدينية والسياسية في ذلك البلد.
هذا ما تعرضت له مسرحية «عرس السمكري» للمؤلف الشاعر جون درنكووتر. مر العرض الأول للمسرحية بسلام في أول ليلة. لكن يظهر أن القوم فكروا فيما شاهدوه وسمعوه أثناء العرض بعد خروجهم من المسرح. ففي الليلة التالية تسلمت الإدارة نداءً تلفونياً من شخص مجهول يطالب بإلغاء العرض والامتناع عن تقديم هذه المسرحية، وإلا فالويل لكم وللممثلين. اعتاد مدير المسرح على تلقي الكثير من أمثال هذه التهديدات التي تمر بسلام. واعتبر هذا التهديد فارغاً مثلها وتجاهله.
بيد أنه سرعان ما غير فكره. فما بدأ العرض في الليلة الثانية إلا وانهالت الأحجار والقاذورات على الممثلين فوق المسرح. راح المهاجمون الغوغاء يقطعون أجزاء من المقاعد والأثاث ويرمون بها على المسرح. اضطر الممثلون إلى الهرب والتخلي عن أدوارهم. وسارعت الإدارة إلى إسدال الستارة. ثم طلع المخرج وخاطب الجمهور معتذراً، وقال: يظهر أن بينكم من يعترض على المسرحية. نحن مستعدون لسماع الاعتراضات ومناقشتها والاستجابة لها بما يقتضي.
وقف واحد من المعترضين وقال «هذه المسرحية تناقض تعاليم كنيستنا ولا نسمح بذلك». جرى نقاش بينه وبين المخرج والمؤلف بما انتهى بحل وسط يرضي الطرفين. عادت الفرقة لاستئناف التمثيل. غير أنهم ما باشروا بذلك، حتى واجهوا سيلاً من الضرب بالأحجار والأخشاب تتساقط عليهم ثانية من شتى الزوايا. لم تملك إدارة المسرح غير أن توقف العرض وتسدل الستارة وتلغي المسرحية من برامجها بفعل هذا الاعتراض من الرقابة الشعبية. اضطرت الإدارة إلى تعويض المشاهدين عن تذاكرهم.