بوبي غوش
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

أوروبا وتوحيد الصفوف ضد التهديدات الإيرانية

بدأت الغشاوة في السقوط تدريجيّاً من على العيون الأوروبية حيال إيران. وفي بيان مشترك صدر، مؤخراً، وضعت كلّ من ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا المسؤولية على عاتق الجمهورية الإسلامية فيما يتصل بالهجمات الأخيرة على منشآت شركة «أرامكو» النفطية السعودية، مضيفة في البيان أنه «لا يوجد تفسير آخر معقول لما حدث».
وضمن اجتماعات الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في نيويورك حالياً، استغلّ القادة الأوروبيون اجتماعاتهم مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في التشديد على الضغوط. وحضَّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الاجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وأبدى الرئيس الإيراني تململه - وربما اعتراضه - على مقترح الرئيس الفرنسي، إثر ضغوط واضحة وتعليمات مشدَّدة من قبل المرشد الإيراني، علي خامنئي. وردَّد مستعرضاً الشروط المسبقة المعتادة لإجراء المحادثات مع الولايات المتحدة؛ من العودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة لعام 2015، مع وضع حدّ واضح للعقوبات الاقتصادية، رغم أنها كانت بالفعل مجرد حبر على ورق.
ومما زاد من سوء الأوضاع بالنسبة إلى إيران، تأييد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لرؤية الرئيس الأميركي بشأن وجوب أن تعقد إيران صفقة جديدة مع القوى الدولية المعنية؛ تلك الصفقة التي لن تتناول الطموحات النووية الإيرانية فحسب (المعنية بها خطة العمل الشاملة المشتركة كما هو معلوم)، وإنما التهديدات الأخرى التي يشكلها النظام الإيراني حول العالم.
وأعلن الجانب الإيراني، ردّاً على تلك المقترحات، انزعاجه الشديد من الجانب الأوروبي، ووجه الاتهامات المباشرة ضدهم بالافتقار إلى القوة أو الإرادة اللازمة لمواجهة تنمُّر الولايات المتحدة.
ردة الفعل الإيرانية الواضحة تلك، على أقل تقدير، توحي بقدر معتبر من انعدام التسامح. ومنذ انسحاب الإدارة الأميركية من خطة العمل الشاملة المشتركة، العام الماضي، أظهرت الأطراف الأوروبية الموقِّعة على الاتفاق النووي جميع مظاهر الرغبة في احترام الاتفاق المبرم مع إيران، حيث حثّوا الشركات الأوروبية على مواصلة الاستثمار في إيران، حتى إنهم فعّلوا قانون الاتحاد الأوروبي الذي يحظر عليهم الامتثال للتأثيرات الخارجية عن الحدود الإقليمية للعقوبات الاقتصادية الأميركية. وعندما أخفقت تلك المحاولة، انتقلوا إلى الحلول الخاصة، حيث أنشأوا وسيلة للأغراض الخاصة معنية بحماية التجارة البينية مع إيران من مظلة العقوبات الأميركية.
كما لم يتوقف الجانب الأوروبي عن ممارسة الضغوط على الولايات المتحدة بشأن تخفيف حملة الضغط القصوى المتخذة ضد الجمهورية الإسلامية. وخلال الأسابيع الماضية، تصدر الرئيس الفرنسي المشهد عبر اقتراحه حزمة مساعدات لإيران تتضمن حدّاً ائتمانياً بقيمة 15 مليار دولار موجهة إلى إيران.
وفي الأثناء ذاتها، اعتمد الجانب الأوروبي موقفاً متسماً بالتسامح إزاء التصرفات الإيرانية الفظيعة، من شن الهجمات على ناقلات النفط في الخليج العربي، وتحدّي النظام الإيراني لمنظومة عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد توفير المساعدات المالية لنظام الإبادة الجماعية في سوريا، وحتى احتجاز النظام الإيراني الوقح للرعايا الأوروبيين رهائن. وأعرب الجانب الأوروبي عن معاتبة معتدلة إثر انتهاك النظام الإيراني لبنود تخصيب اليورانيوم المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة.
لكن مع اعتبار ميل النظام الإيراني إلى الاستفزازات المستمرة والمتصاعدة، كان من الحتمي أن يختبر أقصى حدود التعاطف الأوروبي، ثم المضي قدماً إلى المزيد من الأعمال الاستفزازية. ولقد حدث ذلك مع الهجمات التي وقعت ضد أهم المنشآت النفطية السعودية، والتي كانت في واقع الأمر اعتداء صريحاً على الاقتصاد العالمي بأسره.
ربما ساعد الرئيس الأميركي الجانب الأوروبي على تغيير موقفه المتخَذ من الجمهورية الإسلامية عبر عروضه المتكررة لعقد المباحثات مع الرئيس الإيراني، من دون شروط مسبقة. كما أسفرت إقالة صقر الإدارة الأميركية جون بولتون من منصب مستشار الأمن القومي عن التخفيف من أي شكوك تتعلق بنية الرئيس الأميركي المضي قدماً على سبيل الحرب ضد إيران.
فماذا بعد بالنسبة إلى الأوروبيين؟ لا يزال الرئيس الفرنسي شديد الحرص على القيام بدور الوساطة، غير أن تعامل علي خامنئي مع آخر زعيم عالمي يستقبله (رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي) لا بد أن يضعف من تفاؤل السيد ماكرون. ورغم أن زيارة السيد آبي لطهران كانت لمحاولة فتح باب المناقشات مع النظام الإيراني، فإن الجيش الإيراني شنَّ في تلك الأثناء هجوماً على ناقلة نفطية ترفع العلم الياباني. ولمزيد من التطاول، أحرج علي خامنئي ضيفه الدولي، زاعماً، في تغريدة بائسة، أن الضيف الياباني يتفق مع الرؤى الإيرانية المعتمَدة حيال الولايات المتحدة.
ولا يتسم المرشد الإيراني الأعلى بالبراعة السياسية، وسوف يحتاج إلى تأكيد أكبر يفيد بأن الجانب الأوروبي لن يتسامح بعد ذلك مع السلوكيات العدائية الإيرانية. ومن أسرع السبل للقيام بذلك الانضمام إلى الجهود الأميركية الراهنة لحماية الممرات البحرية والبنية التحتية النفطية في الخليج العربي والمنطقة المحيطة به. ولقد أعلنت بريطانيا بالفعل عن مشاركتها الفعلية في بعض المهام البحرية هناك، وقال السيد جونسون إنه على أتم استعداد لمساعدة المملكة العربية السعودية في حماية البنية التحتية النفطية لديها من مزيد من الهجمات الإيرانية.
وينبغي على البلدان الأوروبية المعنية الأخرى متابعة هذا المسار، مع توحيد الصف الغربي في مواجهة التهديدات الإيرانية للتجارة العالمية.
كما ينبغي عليهم أيضاً البعث برسالة تفيد بانتهاء موقف التسامح المعهود مع لعبة حافة الهاوية النووية الإيرانية؛ إذ يمنح الانتهاك الإيراني لبنود تخصيب اليورانيوم الأطراف الموقعة على الاتفاق الإيراني الذرائع الكافية والمسوَّغة لفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية الخاصة بهم. ومن غير المتوقع أن يضيف ذلك الضغط الكبير إلى جانب العقوبات الأميركية المفروضة بالفعل، ولكنها إشارة ورسالة رمزية بالغة الوضوح.
وبالنسبة إلى إيران، فإن فقدان التعاطف الأوروبي لا يترك لدى طهران سوى الطرفين الآخرين الموقعين على الاتفاق النووي، ألا وهما الصين وروسيا. لكن النظام الحاكم في طهران يدرك منذ فترة طويلة أنه لا يتوقع كثيراً من الدعم المالي من هاتين الجهتين، ولهذا السبب لم تمارس إيران عليهما أي ضغوط تُذكر لمحاولة إنقاذ الاتفاق النووي بالإلحاح والضغوط نفسها التي مارستها، ولا تزال، على الجانب الأوروبي. ولا يمكن أن يفوت إيران الانتباه إلى أن بكين وموسكو لم تتراجعا عن مواقفهما المتخَذَة، أو محاولة العثور على وسيلة ما للتحايل على العقوبات الأميركية خدمة لإيران.
فإذا كان فقدان التعاطف الغربي يجبر النظام الإيراني البائس حالياً على محاولة العثور على المزيد من الأصدقاء في الشرق أو الشمال؛ فمن المؤكد أنه سوف يعثر على المزيد من خيبة الأمل عوضاً عن ذلك. فربما يتعرض الرئيسان الصيني والروسي لشيء من الانتقاد، لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، بيد أن الشركات الكبرى الصينية والروسية لم تبلغ حد الحماس الكبير لتحدي سلسلة العقوبات الاقتصادية الأميركية - وربما الأوروبية أيضاً كما نأمل - المفروضة على إيران.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»