د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

فتش عن المستفيد!

عندما تقع جريمة ما تحوم شكوك المحققين حول المستفيد من هذه الواقعة. فالمستفيد من الحادثة ليس بالضرورة الجاني نفسه فقد يكون العقل المدبر شخصاً أو جهة أوعزت لمتهور بالقيام بهذا العمل الدنيء. بعبارة أخرى، فعل بالنيابة عن آخر.
ولذلك تجد في أدبيات السياسة مصطلح «حرب بالوكالة» يعتبرها أصحابها ذكاءً في المواجهة، فيما يصفها الخصوم بأبشع صور الجبن وعدم المقدرة على المواجهة؛ وجهاً لوجه. وبتتبع المستفيد من تلك المواجهات تكتشف مصدر العداء.
في العمل الإداري، أيضاً حينما يقع موظف ما في ورطة كقيامه بخطأ جسيم لا يقع في صلب اختصاصاته فتش عن المستفيد. فقد يكون هناك رسالة «شفهية» من مدير أراد أن يورط مرؤوساً يكرهه أو نظيراً ينافسه في إدارة أخرى. والمشكلة أنه حينما «تقع الفأس بالرأس» يتملص المحرض من دعوته الشفهية. ولذا كان من أبجديات المهنية أن تطلب شيئاً مكتوباً من مرؤوسيك وتحديداً المتعاملين معك من خارج الإدارة حتى ما إذا وقع خلاف أو تأخير في التسليم أقيمت الحجة بالاستناد على نص «جامع مانع». فالنصوص الإدارية المكتوبة كالتعليمات والتوجيهات والأوامر ترفع الظلم عن كاهل الآخرين عندما يقع سوء فهم أو خلاف.
وفي مسرح الجريمة بعدما ترفع البصمات والأدلة الجنائية منه، قد يكتشف المحققون أن هناك «أكثر من مستفيد». وهو مثال حي لمحاولة «تفريق دم الضحية بين القبائل» كما تقول العرب. فعندما يكون هناك أكثر من ضلع في حادثة هنا تكبر المشكلة خصوصاً في العمل لأنه أصبح تدبيراً ممنهجاً. وبلغة المحققين: «مع سبق الإصرار والترصد». وإذا لم يقف المسؤول بالمرصاد لهؤلاء ستتفاقم المشكلة لأن حرب الوكالة هي من أكثر ما يلجأ إليه المتشاحنون في بيئات العمل. السبب أن العمل مصدر رزقهم فيتحاشون أن يكونوا هم في الواجهة. ومعظم من يكون ضحية تدبير هؤلاء من قليلي الخبرة المهنية، الذين لا يعرفون حدود اختصاصاتهم أو تداعيات أفعالهم وأقوالهم في بيئة العمل. فمثلاً سمعت موظفاً يقول لآخر حاول أن تهاجم مدير شؤون الموظفين (HR) في حفل اليوم المفتوح بفقرة الأسئلة. ثم اكتشف «الضحية» لاحقاً أن ما قاله من تجريح في حق المدير قد تسبب في تذمر الرئيس ومن حوله فانقلبت الطاولة على الضحية. وكان المستفيد هو من أوعز للضحية بالتحدث لأنه عرى خصمه، مدير شؤون الموظفين، أمام جميع الإدارات. ويحدث أيضاً أن يُحَرّض أحد المسؤولين شفاهة زميله بوضع اسم شركة الأخير في قائمة الشركات التي رست عليها لاحقاً مناقصة ما. ثم يكتشف المدققون الخارجيون بعد حين أن ذلك كان تعارضاً صارخاً للمصالح. وقد يفقد الزميل المتلاعب وظيفته بسبب تلك الفعلة.
ولذلك حينما تحدث المرء نفسه بالاستجابة لنداء تنفيع، أو انتقام، أو تشفٍّ، أو تشهير، أو تعريض بأحد ممن حوله، فمن الحكمة تذكر تداعيات ذلك، والأهم من هو المستفيد الحقيقي من هذا الفعل. والأسوأ إذا كانت الإجابة جوقة المسؤولين الخبثاء الذي يدفعون بنا ككبش فداء ليحققوا مآربهم الذاتية!