حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الموظف الزلزال

هناك وزراء أو موظفون في بعض الإدارات السياسية يصبحون أشبه بجهاز التوجيه في سياسات بلادهم وإداراتهم، ويشكلون توجهاً ويتركون بصمة أهم من رؤسائهم.
تذكرت هذه المقولة اللافتة وأنا أقرأ عن إقالة جون بولتون. جاء هذا الرجل إلى منصب مستشار الأمن القومي تسبقه سمعة بأنه سياسي متشدد ومحافظ ومن الصقور وأنه يحمل طبول الحرب معه. وفعلاً ما إن وصل إلى المنصب حتى ازدادت المواقف الأميركية «حدة» مع فنزويلا وكوريا الشمالية، ولكن يبدو أن توجهاته لم تلائم «الدولة العميقة»، الإدارات القديمة ممثلة في وزارة الخارجية ووزارة الدفاع، وكالة الاستخبارات المركزية، وزارة الخزانة، الذين قدموا للرئيس ترمب توصيات مغايرة لتوصيات بولتون، فقضي عليه سياسياً، وأقيل وبالتالي أحبط «المهرجان البولتوني» الذي كان يروج له، وصور للعالم بأنه سيكون أشبه بالزلزال. واقع الأمر فإن التاريخ يبرز لنا مجموعة من الأمثلة التي تؤكد ما سبق.
فالعالم العربي هو اليوم «نتاج» اجتهادات دبلوماسي وعسكري بريطاني اسمه مارك سايكس، ومقابله دبلوماسي وعسكري فرنسي اسمه فرنسوا جورج بيكو، واللذان خلدا اسميهما في التاريخ أكثر بكثير من رؤسائهما في تلك الحقبة. وهناك وزير الخارجية الأميركي المعروف هنري كيسنجر الذي «قاد» سياسة بلاده في الشرق الأقصى وبشكل مركز في منطقة الشرق الأوسط بشكل ترك آثاره العميقة بعد عقود طويلة جداً من الزمن بعد رحيله من منصبه. وجاء بعده مستشار الأمن القومي زيجنيو بريجنسكي، الذي رسم استراتيجية لأميركا في مواجهات قوى متصاعدة من ضمنها التقنية والصين والمجموعات غير الحكومية، وهناك الكثير من آرائه لا تزال «تحكم» إدارات المؤسسات الصانعة للسياسات في أميركا.
وطبعاً شهدت حقبة الرئيس بوش الابن أكثر من موظف «مؤثر»، فكوندوليزا رايس أطلقت مشروع الفوضى الخلاقة، الذي كان أرضية للربيع العربي بعد ذلك، ولا يمكن نسيان نائب الرئيس ديك تشيني، الذي قاد الإدارة وقتها، وخصوصاً في مشروع غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين، وفي حقبة الرئيس باراك أوباما هناك هيلاري كلينون التي «أدارت» ردود الأفعال الأميركية بخصوص تبعات الربيع العربي وكان لها وجهة نظر مهمة في أهمية تشجيع توظيف التقنية الحديثة، وخصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي لدعم الحراك الديمقراطي في العالم.
حقبة الرئيس الحالي دونالد ترمب لم «تسمح» لأحد أن يبقى في أي منصب بالمدة الكافية التي تسمح بإحداث التأثير والفعالية الكافية المطلوبة. فالإدارة الحالية باتت أشبه بالباب الدوار لمعظم الموظفين. هناك رغبة «شخصية» للرئيس ترمب في أن يكون مختلفاً في «صورة» مع الرئيس كيم رئيس كوريا الشمالية، وتصادمه مع حلفائه في أوروبا، و«صورة» أخرى يسعى إليها الآن مع رئيس إيران حسن روحاني وعدم رغبته في التصعيد مع روسيا، كل ذلك لتكريس فكرة أنه رئيس «مختلف»، وبالتالي يذكر العالم دوماً بتغريداته وفصله لموظفيه المفاجئ الذي عاد ما يكون بتغريدات في أواخر الليل، يذكر العالم دوماً بمن هو الرئيس.
عصر دونالد ترمب لا مكان فيه لأحد أكثر تأثيراً من الرئيس، وهذا ليس بالضرورة بالخبر الجيد.