توبين هارشو
TT

روسيا وأميركا والصين والأسلحة الفتاكة

فلاديمير بوتين رجل يعشق ألعابه، ويبدو في أسعد لحظاته عندما يطلق النار من بندقية «كلاشنكوف شوكافين» للقنص، أو يصطاد النمور السيبيرية المهددة بالانقراض ببنادق مخدرة، أو يغوص في أعماق البحر الميت بحثاً عن آثار غارقة.
ومع هذا، شعر العالم بدهشة بالغة إزاء روح المبادرة التي أظهرها، في مارس (آذار) الماضي، عندما أعلن الرئيس الروسي عن عدد من الأسلحة الفائقة الجديدة، بينها صاروخ «كروز» يعتمد على الطاقة النووية، ليس لمداه نهاية، وصواريخ أسرع عن الصوت قادرة على اختراق أي دفاعات أرضية، وتوربيد مسلح نووياً، وسلاح طاقة موجهة أطلق عليه «بيريسفيت»، اسم راهب مقاتل طرد المغول من روسيا في القرن الـ14.
وبدأ الغرب متشككاً في هذا الإعلان، وأثبتت الأيام صحة شكوكه لكن على نحو مأساوي، ففي 8 أغسطس (آب) أخفقت تجربة أولية لصاروخ «كروز»، ما أسفر عن مقتل 7 أشخاص وانتشار مواد مشعة عبر البحر الأبيض.
ولمزيد من المعلومات، عقدت حواراً مع أنكيت باندا، زميل اتحاد العلماء الأميركيين وأحد كبار محرري موقع «ذي دبلومات» الإلكتروني.
قلت له: بجانب كونه كارثة مميتة، تعتبر كارثة صاروخ «سكاي فول» الكروز مؤشراً مهيناً على أن أسلحة بوتين الفائقة ما تزال بعيدة للغاية عن المستوى المطلوب. هل تعتقد هذا الصاروخ الكروز العامل بالطاقة النووية والغواصة المسلحة نووياً والأسلحة الأخرى التي تباهى بها في ذلك الفيديو المجنون مجرد أوهام أم أسلحة واقعية؟
أجاب: ربما صاروخ الكروز هذا مجرد فقاعة، ووصل نهاية مسدودة خطيرة للغاية. ما تزال البيروقراطية الدفاعية الروسية متشبثة بسنوات من الأفكار السوفياتية المنتمية لحقبة الثمانينات، التي عفى عليها الزمن بخصوص كيفية التصدي لبعض الوعود الخيالية المتضمنة في «مبادرة الدفاع الاستراتيجي» التي أعلنها رونالد ريغان. ولديّ شكوك قوية في أن بعض هذه البرامج تستخدم بالفعل تلك الخطط القديمة. وبالنظر إلى الضجة الكبيرة التي تعمّد بوتين إثارتها لدى إعلانه عن تلك الأسلحة في مارس، من الواضح أن أعلى مستويات الحكومة الروسية على قناعة بجدوى هذه الخطط. إلا أنني أشك بقوة في أن القيادة الروسية جرى إطلاعها بصورة مناسبة على مخاطر بعض أنظمة الأسلحة المعلن عنها، خاصة صاروخ «بورفستنيك».
وتبقى بعض أنظمة الأسلحة الجديدة الأخرى التي أعلن عنها بوتين، مثل توربيد «بوسيدون» النووي وصاروخ «كينزهال» الباليستي وسلاح «بيريسفيت»، تمثل أفكاراً فنية مقنعة يمكن المضي بها قدماً حتى مرحلة التنفيذ. أما مسألة ما إذا كان ذلك الأمر تحقق بالفعل مع جميع الأسلحة المعلن عنها، فتبقى مفتوحة دونما إجابة. حالياً، يبدو «كينزهال» وصاروخ «أفانغارد» الأسرع من الصوت العنصرين الواعدين في المجموعة.
قلت له ولكن يبدو أن الصواريخ الأسرع عن الصوت تمثل تكنولوجية عملية. هل الولايات المتحدة في مرتبة متأخرة عن روسيا والصين على هذا الصعيد، مثلما يدعي كثيرون؟ هل يمكن أن تثبت الأسلحة الأسرع عن الصوت أنها أسلحة المستقبل الحقيقية؟ وكيف سيؤثر ذلك على التوازن العسكري العالمي؟
رد: فيما يخص الأسلحة النووية الاستراتيجية، فقد وجدت المقذوفات التي تفوق سرعة الصوت منذ أن نشر الاتحاد السوفياتي للمرة الأولى صاروخاً باليستياً عابر للقارات أواخر خمسينات القرن الماضي.
أما غالبية المقصود اليوم لدى الحديث عن أسلحة «تفوق سرعة الصوت»، فهي صواريخ كروز تفوق سرعة الصوت، ومركبة انزلاق معزز تفوق سرعة الصوت. وتعتبر «أفانغارد» التي أعلن عنها بوتين نموذجاً للأخير.
فيما يخص الاستقرار الاستراتيجي، لا أعتقد أن السلاح الروسي يثير قلقاً كبيراً، فالدفاعات الصاروخية الأميركية متوسطة، ويمكن لأي صاروخ استراتيجي روسي اختراقها بسهولة. ومن المحتمل نشر «أفانغارد» بأعداد محدودة لمنح روسيا درجة إضافية من الطمأنينة بشأن قدرتها على اختراق الدفاعات الصاروخية. إلا أنه من بين الخرافات المنتشرة على نطاق واسع بخصوص المركبات المنزلقة التي تفوق سرعة الصوت، أنه من الصعب إسقاطها. في الواقع، بالنظر إلى أنها تتحرك بسرعة أبطأ من كثير من الصواريخ الباليستية، فإنه من الممكن استهدافها من جانب أنظمة دفاعية دقيقة.
ولكن ألا ترى أنه مع انهيار معاهدة حظر الصواريخ النووية متوسطة المدى بين الولايات المتحدة وروسيا، يدور كثير من الحديث حول أن البنتاغون يعكف على تطوير ونشر صواريخ متوسطة المدى، خاصة في المحيط الهادي. هل هذه خطوة خطيرة؟
لكن باندا قال إنه رغم أن 100 في المائة من الانتهاكات التي وقعت بحق المعاهدة جاءت من الجانب الروسي، أعتقد أن 80 في المائة من الأسباب التي دفعت الجانب الأميركي للانسحاب من المعاهدة مرتبط بالصين. يذكر أن ترسانة الصواريخ الصينية تتألف في الجزء الأكبر منها من صواريخ، ظلّ محظوراً على الولايات المتحدة وروسيا صنعها على مدار 32 عاماً، صواريخ باليستية وكروز ونووية وتقليدية، يتراوح مداها بين 500 كيلومتر و5500 كيلومتر. الآن، سنعمل على تطوير صاروخ جديد في هذا المدى. وبالنظر إلى أن الصين لديها مئات من هذه الصواريخ اليوم، بينما الولايات المتحدة لديها صفر، فإن هذا التحرك لا يعني بالضرورة أن تدخل واشنطن سباق تسلح، وإنما هي تحاول اللحاق بالصين فحسب.
أما الأمر الذي أشعر حياله بالقلق فهو أن واشنطن لم تفكر ملياً كيف تنوي استغلال هذه الصواريخ استراتيجياً، والأهم من ذلك إلى أين سيجري توجيهها.
ولكن قلت له هل هناك أمل في إحياء معاهدة حظر الصواريخ النووية متوسطة المدى، أو تجديد معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية (ستارت)، في ظل إدارة ترمب أو الإدارة التي ستخلفها؟ وهل هناك إمكانية لانضمام الصين لاتفاقات للسيطرة على الأسلحة النووية، ثلاثية أو متعددة الأطراف؟
قال قبل خرقهم معاهدة حظر الصواريخ النووية متوسطة المدى، اقترح الروس عام 2007 تقريباً إدخال أطراف جديدة للمعاهدة، بعد أن شاهدوا تنامي الترسانة الصاروخية الصينية، والتقدم السريع على هذا الصعيد من جانب الهند وباكستان. إلا أن هذا المقترح لم يحالفه النجاح حينها، وما يزال هذا الوضع قائماً اليوم. إن الدول توافق على الانضمام لمعاهدات السيطرة على الأسلحة لأسباب تتعلق بمنافع متبادلة. وفيما يخص بكين، لا أرى ما يدعوها للانضمام لهذه المعاهدات إلا إذا حصلت على ميزة قيمة للغاية في المقابل، وحتى الآن من غير الواضح طبيعة هذه الميزة.
أما من يتحدثون عن انضمام الصين إلى «ستارت»، فلا يدركون حقيقة ما يتحدثون عنه، فأميركا وروسيا يملكان أسلحة نووية تفوق كثيراً للغاية ما تملكه الصين. وتبعاً لقواعد معاهدة «ستارت» الجديدة، فإن ترسانة الصين ستتراجع إلى الصفر أو إلى عدد ضئيل للغاية.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»