مارك في فلاسيك
TT

«داعش» ينهب الآثار لتمويل مذابحه

بينما يمضي الرئيس أوباما قدما في تنفيذ خطته لمواجهة ما يسمى «داعش»، يجب أن تكون كافة الخيارات مطروحة على الطاولة. وبالتالي، بينما يكون التركيز المحتمل على «القوة الحركية»، لا ينبغي أن نغفل مسألة تمويل الإرهاب. من خلال استهداف أحد مصادر تمويل «داعش»، يمكن لصانعي السياسات المساعدة أيضا في الحفاظ على تاريخ بلاد الرافدين القديمة، التي تعد مهد الحضارة. ما نحتاجه هو مبادرة فورية ومتعددة الجوانب للحد من بيع «آثار الدم».
وأفادت التقارير بأن «داعش» يعد أغنى تنظيم إرهابي في العالم، ويعزى ذلك جزئيا إلى عمليات نهب العراق وسوريا. عزز بيع التحف المسروقة - التي تعد ضرورية لتعريف الثقافات السورية والعراقية التي سبقت المسيحية واليهودية والإسلام - من تقدم «داعش». وفي الواقع، يشكل النهب المستمر لهذا التراث ضربة للإنسانية كلها.
وكما أفادت صحيفة «الغارديان» البريطانية، كسب «داعش» ملايين الدولارات جراء أعمال النهب التي قام بها، بما في ذلك الحصول على 36 مليون دولار فقط من نهب أحد البنوك في سوريا. ومع استحواذ التنظيم على قطع أثرية يعود عمرها إلى 8 آلاف سنة، فإنه بذلك ليس بحاجة إلى دولة راعية؛ إنه يعمل على تمويل المذابح التي يرتكبها من خلال ثروة الحضارات القديمة. ووفقا لما ذكره عمرو العظم الأستاذ بجامعة ولاية شوني في أوهايو، الذي عاد مؤخرا من المنطقة، لم يكتف «داعش» بنهب هذه الآثار ذاتها فحسب، بل إنه سمح، بالأساس، أيضا بنهب القطع الأثرية الأخرى؛ حيث سمح لسكان محليين وعصابات منظمة بنهب تلك التحف شريطة حصول «داعش» على نسبة تتراوح بين 20 إلى 50 في المائة من العائدات. لقد تحول ربما ما بدأ كعملية نهب محلية إلى تجارة دولية.
وفي سياق متصل، قال العظم: «لا شك أن أعمال النهب والاتجار غير المشروع في الآثار تعد مربحة للغاية، وبما فيه الكفاية بالنسبة لـ(داعش).. كي ينخرط بعمق ويتورط في أعماله فيها»، وأردف: «لذلك ينبغي أن يشكل وقف هذا الاتجار غير المشروع في الآثار ضرورة حتمية، ليس فقط لأنه يمثل مصدرا رئيسيا للدخل بالنسبة للتنظيمات الإرهابية مثل (داعش)، ولكن أيضا لأنه يشكل ضررا يتعذر إصلاحه للتراث الثقافي السوري».
ولحسن الحظ، لن تكون أعمال النهب هذه بعيدة عن الأنظار، فخلال الاجتماع الذي انعقد في يونيو (حزيران) في مجلس العلاقات الخارجية، أبدى النائب الجمهوري كريستوفر سميث اهتماما لإصدار تشريع يحد من المتاجرة في الآثار المسروقة من مناطق الصراع مثل سوريا والعراق. وفي بريطانيا، أثار عضو البرلمان مارك بريتشارد أهمية توسيع النقاش بشأن دور المزاد العلني التي تبيع الآثار.
وبالنظر إلى أن «آثار الدم» تجد طريقها في بعض الأحيان إلى الأسواق الغربية - كما تبين مؤخرا من عودة المواد المسروقة من دور المزاد العلني في نيويورك إلى كمبوديا - فمن المنطقي أن ننظر في اتخاذ تدابير في هذا الشأن للحد من تمويل الإرهاب. وفي الواقع، ربما يشكل مثل هذا النهج مسألة حرجة؛ حيث إن العلاقة بين السارق وهاوي جمع التحف ربما تكون أقرب من العديد من المشتبه فيهم، مثلما قال الباحثان سايمون ماكنزي وتيس ديفيس، في دراسة حديثة لهما عن التحف المسروقة. وقد اتخذت الحكومات والمنظمات الدولية خطوات أولية مهمة للحد من بيع التحف المسروقة؛ ففي العام الماضي، جرى الإعلان عن القائمة الحمراء العاجلة الخاصة بالممتلكات السورية الثقافية المعرضة للخطر، في حين عقدت اليونيسكو مؤخرا مشاورات بشأن خطة عمل طارئة لحماية التراث الثقافي للعراق. وفي الآونة الأخيرة، ساعد تحالف حماية الآثار على الحد من عمليات نهب الآثار من مصر، بينما قدمت وزارة الخارجية الأميركية تمويلا من أجل توثيق والمساعدة في الحفاظ على مواقع التراث الثقافي في سوريا.
ولكن من المرجح أن يكون هؤلاء المتورطون في تجارة الآثار ذاتها هم الأقدر على ضمان عدم دخول «آثار الدم» إلى السوق في المقام الأول. ويجب تشكيل جهة عالمية - ربما يكون مقرها في دافوس، سويسرا - تضم الأطراف المعنيين لضمان أن كافة الأطراف المسؤولة في «تسلسل القيم» بسوق الآثار - مثل الحكومات، ودور المزاد العلني، والمتاحف، والتجار، وشركات التأمين، والمواني الحرة، وهواة جمع الآثار – توافق كلها على معيار موحد لمصادر ومبيعات الآثار، ولضمان أن تكون أي آثار من مناطق صراع نشطة وحديثة معلومة المصدر بصورة صحيحة قبل بيعها أو نقلها أو التأمين عليها، أو تخزينها أو عرضها. يمكننا من خلال العمل معا مرة أخرى أن نعمل على إنقاذ حياة الناس ونتعاون في حماية تراثنا المشترك.
* خدمة «واشنطن بوست»