د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

محاولات خبيثة لتسييس الحج

الحج شعيرة إسلامية وركن مهم من أركان الإسلام، ولا يمكن خلطه بصراعات سياسية، أو رفع شعارات دنيوية باطلة في عمومها؛ فالحج لا مكان فيه إلا للدعوة لله وحده بالتلبية «لبيك اللهم لبيك»، وما تجاوزها إلا باطل، وما محاولات النظام الإيراني تكرار افتعال الأزمات إلا محاولات خبيثة، لا يمكن قبولها من سائر عموم المسلمين؛ فالبيت لله ومن حق سدنته تنظيم إدارة شؤونه.
فقد سبق أن قال وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير إن «قطر طالبت بتدويل الحج، وهذا يُعدّ أمراً عدوانياً، وهو بمثابة إعلان حرب ضد المملكة، ونحن لا نقبل بتسييس الحج؛ لأن هذه مشاعر مقدسة».
فلا نستغرب اليوم محاولات قطر وإيران وغيرهما تسييس الحج ومحاولة تدويله، فقد سبقهم في هذا جماعات انقضت واندثرت، ومنها محاولة أبرهة الحبشي بناء كعبة خاصة به، وعندما يئس من مجيء حجاج إلى كعبته، حاول هدم بيت الله الحرام، فكانت نهايته بحجارة من سجّيل أيضاً في التاريخ العربي محاولات كثيرة لسلب أهل مكة حقهم في سقاية الحجاج وخدمتهم، فحاول البعض بناء كعبات خاصة، ومنها كعبة نجران، وكعبة شداد الأيادي، وكعبة غطفان، وكعبة ذي الشري، وكعبة ذي غابة الملقب بالقدس، وهي جميعها محاولات خبيثة لإيجاد محجات أخرى، وصرف الحجاج عن بيت الله الحرام بمكة «وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم ببطْنِ مَكَّة مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً».
تسييس الحج أو المشاعر المقدسة، منهج إيراني تتبعه دويلة قطر، في محاولة خبيثة، لابتداع الإدارة الدولية للحرمين الشريفين؛ الأمر الذي يعتبر اعتداءً على السيادة الوطنية لأراضي المملكة العربية السعودية.
حتى في فتح مكة أبقى رسول الله مفتاح الكعبة مع سدنته، حيث جاء في الأثر «جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ إلَيْهِ عَلِي - رَضِي اللّهُ عَنْهُ - وَمِفْتَاحُ الْكَعْبَة فِي يَدِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ اجْمَعْ لَنَا الْحِجَابَة مَعَ السّقَايَة صَلّى اللّهُ عَلَيْك، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَيْنَ عُثْمَانُ بن طَلْحَة؟ فَدُعِي لَهُ فَقَالَ لَهُ هَاكَ مِفْتَاحَكَ يَا عُثْمَانُ الْيَوْمَ يَوْمُ بِرّ وَوَفَاءٍ».
ولم يقف الأمر عند رد المفتاح إلى عثمان بن طلحة، بل ذكر ابن سعد في الطبقات عن ابن طلحة فقال: «كُنّا نَفْتَحُ الْكَعْبَة فِي الْجاهلية يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَوْماً يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ الْكَعْبَة مَعَ النّاسِ فَأَغْلَظْتُ لَهُ وَنِلْتُ مِنْهُ فَحَلُمَ عَنّي ثُمّ قَالَ يَا عُثْمَانُ لَعَلّك سَتَرَى هَذَا الْمِفْتَاحَ يَوْماً بِيَدِي أَضَعُهُ حَيْثُ شِئْت، فَقُلْتُ لَقَدْ هَلَكَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَئِذٍ وَذَلّتْ، فَقَالَ بَلْ عَمَرَتْ وَعَزّتْ يَوْمَئِذٍ، وَدَخَلَ الْكَعْبَة فَوَقَعَتْ كَلِمَتُهُ مِنّي مَوْقِعًا ظَنَنْتُ يَوْمَئِذٍ أَنّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَى مَا قَالَ، فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ قَالَ يَا عُثْمَانُ ائْتِنِي بِالْمِفْتَاحِ فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَأَخَذَهُ مِنّي ثُمّ دَفَعَهُ إليّ وَقَالَ خُذُوهَا خَالِدَة تَالِدَة لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلّا ظَالِمٌ».
وقد قالها رسول الله لا ينزعها منكم إلا ظالم، فلم ينتقم رسول الله (حشاه ونزهه عن ذلك) من ابن طلحة وأهله سدنة الكعبة حقهم في بقاء مفتاح الكعبة بين أيديهم، وهو رسول الله، فكيف يحاول البعض اليوم سلب الكعبة والبيت الحرام، بل جميع المشاعر المقدسة، من سدنتها، ومن يقوم عليها ويخدمها طاعة لله.
فمحاولات إيران وتابعتها قطر سلب المملكة العربية السعودية حقها في إدارة الحج، هي محاولات افتعال أزمات سياسية، لا ينفك النظام الإيراني عن افتعالها ويرددها معه النظام القطري، وهي محاولات هدفها تعطيل الحج، وقد تتشابه مع فتنة القرامطة (317هـ - 908م) حينما اعتدوا على المسجد الحرام وقتلوا من فيه وسرقوا الحجر الأسود وغيّبوه 22 سنة، ولا تختلف عن جريمة الجهيمان ومحاولته الاستيلاء عن الحرم، فمحاولات كل من إيران وتابعتها قطر هي بمثابة مسلك هؤلاء المفسدين ومخالفة لتعاليم رسول الله في احترام سدنة بيت الله، حيث قال لا ينزعها منكم إلا ظالم.