د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

لن ينسى التونسيون هذا اليوم

يوم الخميس 27 يونيو (حزيران) 2019، سيظل عصياً على النّسيان في ذاكرة الشعب التونسي.. يوم عاش فيه التونسيون كل المشاعر المختلفة المتناقضة، منتقلين من شعور إلى آخر بسرعة فائقة، تضاهي تراكم الأحداث وقوتها. يمكن اختصار هذه المشاعر مجتمعة متشابكة مختلطة في شعورين اثنين؛ هما القلق الشديد والخوف؛ ليس من الإرهاب في حد ذاته بل من تداعياته الاقتصادية على السياحة.
من المهم التوضيح أن الهجومين الإرهابيين اللذين شهدتهما العاصمة الخميس الماضي، ليسا مرد القلق والارتباك، بل إن تزامن ذلك مع خبر إصابة الرئيس التونسي بوعكة حادة استوجبت نقله إلى المستشفى، هو ما زاد الطين بلة، فتكاتفت هذه الأحداث مجتمعة ضد التونسيين الذين رغم الارتباك والقلق نجحوا في الصمود وفي الالتفاف حول تونس السلام والحياة وواصلوا يومهم ولم تقف الحياة والحركة والتجول في الشارع الذي شهد الجريمة الإرهابية.
طبعاً كما هي عادة الإرهابيين، فإن الغدر طبع عملياتهم الجديدة أيضاً، ولقد تعلم التونسيون وأدركوا أن الإرهاب بحكم مشروعه اليائس، فإنه ينفذ عملياته بشكل عشوائي غايته البلبلة، بعد أن أصبح عاجزاً عن تسجيل أهداف نوعيّة، حسب مخططاته ولا علاقة بذلك لأي تهاون أمني. لذلك فإنه لم يتم توجيه انتقادات للأمن، خصوصاً أن الضربات الإرهابية في تونس هي في الغالب تستهدف رجال الأمن دون المدنيين، وهي خاصية الإرهاب الموجه ضد تونس، ويعود ذلك إلى التاريخ الشرس منذ مرحلة الحكم البورقيبي إلى اليوم ضد الأصوليين المتطرفين و«الإخوان» وكل من يوظف الدين لبلوغ السلطة والحكم.
أيضاً هاتان العمليتان الإرهابيتان وفي هذا التوقيت بالذات؛ من بداية الموسم السياحي الصيفي وعلى أثر استبشار الجميع بارتفاع عدد السياح وتسجيل عودة قوية لهم بما يبشر بموسم سياحي تونسي ناجح... هذا الإرهاب المتآمر بطبعه الذي يستهدف النهوض الاقتصادي والذي يبحث عن شلل الاقتصادات العربية قد قوّى اللحمة بين التونسيين وخلق فيهم قوة رد الفعل بالتجاهل والتركيز على الحدث الأهم، وهو تعكر صحة رئيس الدولة وعلاقة ذلك بمواضيع أخرى هي التي أججت القلق وليست العمليات الإرهابية اليائسة.
لقد قلق التونسيون لأن الأحداث تزامنت، وهناك أسئلة غير واضحة الإجابة؛ من ذلك أن تكوين المحكمة الدستورية قد تأخر كثيراً ولم يتم بعثها حتى الآن، وهي كما نعلم هيئة تشرف على معاينة مدى دستورية القوانين والإجراءات. أيضاً في الأسابيع الأخيرة، بدأت تتعالى أصوات قانونية تتناول النقص الحاصل في بنود الدستور وصمته عن أمور مهمة، وهذا بعث الشعور بالخيبة وشكك في أهمية الدستور وقدرته على رسم خريطة التونسيين ومدهم متى استدعت الحاجة لذلك بالوصفات القانونية الجاهزة المفكر فيها جيداً والمصادق عليها.
لقد تشتت تفكير التونسيين بين العمليات الإرهابية ودقة استهدافها الفاشل لرجال الأمن وبين مرض الرئيس وتصريح مؤسسة الرئاسة بأن حالته الصحية حادة، الأمر الذي جعل خيال التونسيين يذهب إلى ما هو أسوأ، إضافة إلى أن رئيس مجلس النواب الذي من المفترض أنه يسد شغور الرئيس في صورة حصول الشغور كان مريضاً ودخل أحد المصحات، فزاد هذا التفصيل الوضع غموضاً وقلقاً، ولم تهدأ وتيرة القلق إلا بعد أن بدأت تتواتر أخبار عن استقرار الحالة الصحية للرئيس وتحسنها.
أيضاً الهيجان الذي هيمن على شبكات التواصل الاجتماعي عبّر في جزء منه عن مخاوف من اضطرار البرلمان في صورة تأكد (مع العلم أنه لساعات ذهب في ذهن التونسيين أن صحة الرئيس في حالة حرجة) شغور منصب الرئاسة وتعذر رئيس البرلمان عن سد هذا الشغور إلى الذهاب نحو التصويت فيه، وكان الخوف من أن يكون التصويت لفائدة شخصية تنتمي لحركة «النهضة» صاحبة الأغلبية النسبية في البرلمان.
إذن كما نلاحظ، لخبطة من المخاوف كان من الصعب التحكم فيها، والتصرف فيها بحكمة لولا انتقال صحة الرئيس بشكل لم يدم إلا ساعات قليلة من طور الحرج للغاية إلى الاستقرار والتحسن.
والآن؛ ما الخطوة الأهم أمام التونسيين؟
نعتقد أن درس يوم الخميس الماضي، الذي وصفه كثير من التونسيين بالخميس الأسود، هو التعجيل قدر الإمكان بانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، حتى نضمن الجاهزية الدستورية لكل طارئ ممكن، وألا نلجأ إلى الاجتهادات الوقتية، والحال أن أول تاريخ دستور تونسي يعود إلى 1959، بمعنى أن تونس تعج بالقانونيين ولها أفضل الكفاءات، وأكبر الكليات هي كليات الحقوق والقانون، ومن غير المقبول أن يتضمن دستور الجمهورية الثالثة ثغرات في إشكاليات رئيسية. فالمحكمة الدستورية هي الضمان على احترام الدستور والسير وفق بنوده، خصوصاً الرجوع إلى هيئة المحكمة الدستورية للفصل فيما هو غير دقيق التنصيص عليه في الدستور.
أما الإرهاب وعملياته التي تزيد في تضييق الخناق على أصحابه، فقد أصبح لعنة دولية لا علاقة لها بالدين ولا علاقة لها بقوة الدولة أيضاً، لأن الإرهاب جنون الشر ولا عقل يحكمه.