بوبي غوش
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

نظرة على المشهد السياسي الإيراني

يفتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني أي أهمية تذكر، لدرجة أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لم تأبه حتى لفرض عقوبات ضده. بدلاً من ذلك، فرضت الولايات المتحدة حالياً عقوبات ضد المرشد الإيراني علي خامنئي وثمانية قادة عسكريين، وتستعد لاتخاذ إجراءات مشابهة ضد وزير الخارجية محمد جواد ظريف. كما فرضت واشنطن بالفعل عقوبات ضد قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» و«الحرس الثوري» الإسلامي المدرج على قائمة التنظيمات الإرهابية.
وفي خضم المشهد السياسي الإيراني الذي يعتمل بكراهية الولايات المتحدة، فإن التعرض للاستهداف من جانب «الشيطان الأكبر» على هذا النحو يعد بمثابة وسام شرف... وسام حرم منه الرئيس الإيراني الذي يجري التعامل معه بازدراء معلن من جانب خصومه السياسيين المتشددين، وكذلك زعيمه. وعليه، ربما يمكننا النظر إلى أحدث وصف أطلقه حسن روحاني على البيت الأبيض باعتباره «متخلفاً عقلياً» على أنه شكوى بذيئة من عدم إدراج اسمه على قائمة الأهداف الخاصة بالرئيس دونالد ترمب.
من ناحية أخرى، فإن العقوبات التي فرضت ضد المرشد خامنئي قد لا تترك تأثيراً يذكر على آية الله نفسه؛ فهو لا يسافر إلى خارج حدود إيران وليست لديه ممتلكات معروفة بالخارج (على النقيض، سيفقد جواد ظريف قدرته على دخول الصالونات والمؤسسات الفكرية في نيويورك). ومن الصعب تحديد أي أجزاء من إمبراطورية خامنئي التجارية التي تقدر قيمتها بعدة مليارات من الدولارات قد تتضرر من العقوبات الجديدة، لكن إمبراطورية بنيت من مصادرة ممتلكات وشركات مواطنين من المفترض أنه من السهل إعادة بنائها من خلال مصادرة المزيد من الممتلكات.
إلا أنه بغض النظر عن مدى فاعلية العقوبات الجديدة، فإنها أبعد ما يكون عن كونها مؤشراً على الجنون. على العكس، تشكل هذه العقوبات بديلاً متعقلاً لما فكر فيه الرئيس ترمب لفترة وجيزة الأسبوع الماضي: الرد عسكرياً على الاستفزازات الإيرانية الكثيرة.
من جهته، أعلن نظام الملالي في طهران أن موجة العقوبات الأخيرة تغلق الباب أمام المفاوضات إلى الأبد. ويبدو هذا تصريحاً مراوغاً، ذلك أن خامنئي نفسه أغلق بالفعل الباب في وجه رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الذي بذل جهوداً صادقة للوساطة في عقد محادثات بين الولايات المتحدة وإيران، لكنه فوجئ بإهانته من جانب المرشد خامنئي. علاوة على ذلك، تجاهلت طهران عروضاً بالوساطة تقدمت بها كل من قطر وسلطنة عُمان، ورفضت على نحو فوري تصريحات صدرت عن ترمب ووزير خارجيته مايك بومبيو حول انفتاح الولايات المتحدة على المفاوضات، من دون شروط مسبقة.
وكان هناك كثير من المؤشرات الأخرى على أن الإيرانيين ليست لديهم نية للتفاوض، ومن هذه المؤشرات الهجمات على سفن محايدة وضد منشآت نفطية سعودية وضد طائرة «درون» أميركية.
المعروف أن المشهد الجيوسياسي لا يعرف شيئاً اسمه «إلى الأبد». ويبدو أن خامنئي يميل للانتظار حتى بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020 قبل إعادة النظر في رفضه المفاوضات. ويأمل خامنئي في أن يخسر ترمب الانتخابات، وأن يتخذ الرئيس السادس والأربعون في تاريخ الولايات المتحدة توجهات أكثر إيجابية إزاء الجمهورية الإسلامية. في تلك الأثناء، ستعمل إيران على بناء بعض النفوذ لها، وذلك عبر تعزيز مخزونات اليورانيوم وتهديد الاستقرار في الشرق الأوسط وسلامة الخطوط الملاحية الحيوية.
ومع هذا، يبقى بإمكان الرئيس ترمب استغلال الوقت المتبقي في عمر حكومة طهران. وبالنظر إلى أن موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة في 2021، ومع عدم قدرة روحاني على الترشح مرة أخرى، فإنه يكاد يكون في حكم المؤكد أنه سيحل محله واحد من العناصر المتشددة في النظام. وسيرحل جواد ظريف هو الآخر، وبالتالي ستصبح العقوبات المفروضة عليه محل جدل. في المقابل، سيظل خامنئي غير المنتخب في منصبه.
وبدلاً من الشروع الآن في عملية تفاوض طويلة، فإن البيت الأبيض قد يرى أنه من الأفضل منح العقوبات مهلة عامين كي تلحق مزيداً من الدمار بالاقتصاد الإيراني وتضعف موقف طهران. وإذا استمرت الجمهورية الإسلامية في تخصيب اليورانيوم ومهاجمة خطوط الشحن في تلك الأثناء، فإنها ستثير بذلك عداء المجتمع الدولي وتدفع مزيداً من الدول - خصوصاً الأوروبيين - نحو دعم الموقف الأميركي.
وعندما تنطلق المفاوضات أخيراً، فإن العقوبات ضد خامنئي قد تشكل ورقة نفوذ في يد الجانب الأميركي. أما اليوم، فبمقدور خامنئي الاستمتاع بوسام الشرف الذي ناله، وأثار غيرة الرئيس حسن روحاني.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»