ماركوس آشوورث
كاتب من خدمة «بلومبيرغ»
TT

الأسواق المالية تبخس بوريس جونسون حقه

يعاني الجنيه الإسترليني أزمة واضحة جراء التأخر في حسم «بريكست»، الأمر الذي يعوق حركة اقتصاد المملكة المتحدة. وربما ينجح التنافس على زعامة حزب المحافظين الحاكم والذي بدأ على عجل، مؤخراً، في تغيير مسار الجنيه الإسترليني.
ومن المقرر أن يتولى الفائز في هذا التنافس رئاسة الوزراء خلفاً لتيريزا ماي التعيسة الحظ والتي سقطت إدارتها في إخفاقات متكررة في تمرير اتفاق «بريكست» عبر البرلمان. وقد أصيب المتداولون في البورصات بفزع بالغ جراء حقيقة أن العديد من المرشحين كي يحلوا محلها يبدون سعداء بالسماح لبريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي دونما اتفاق. ويرغب الكثيرون في إبداء الحكومة قدراً أكبر من الوضوح في التعامل مع هذه القضية، حتى لو كان الخيار «الطريق الصعب نحو بريكست».
المؤكد أن هذه الحالة الضبابية تقتل الاستثمار وحماس السوق تجاه المملكة المتحدة.
وثمة شعور سلبي سائد بأن هناك رغبة في إنجاز «بريكست» فحسب. من جهته، قال مايكل سوندرز، عضو لجنة السياسات النقدية التابعة لبنك إنجلترا، إن الاقتصاد من المحتمل أن ينتقل إلى حالة من «الطلب الكبير المفرط» على امتداد العامين أو الثلاثة القادمة إذا ما جرى «بريكست» بسلاسة، الأمر سيؤدي بالتأكيد إلى ارتفاع معدلات الفائدة.
والمؤكد أن افتراض نجاح الحكومة في إدارة «بريكست» على نحو مناسب، أو أن مَن سيحل محل ماي سيتمكن في نهاية الأمر من كسر حالة التأزم القائمة داخل البرلمان، يتطلب قدراً كبيراً من الأمل والتفاؤل. واليوم، يجد المتداولون في الجنيه الإسترليني أنفسهم في مواجهة صيف طويل من الارتباك دون تقدم يذكر على صعيد استراتيجية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي وتمديد محتمل جديد لموعد الانفصال عن الاتحاد الأوروبي إلى 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. أيضاً، يعتمد جزء كبير من حساباتهم على إمكانية حدوث «بريكست» دونما اتفاق. في الوقت الحالي، سيبقي هذا الوضع على الجنيه الإسترليني داخل نطاقه الضيق ما بين 1.25 دولار و1.33 دولار الذي التزمه الفترة الأخيرة.
أما السيناريو الكارثي بالنسبة إلى التجار والمتداولين بالعملة فيتمثل في عقد انتخابات عامة تدفع بجيرمي كوربين، زعيم حزب العمال اليساري، إلى «داوننغ ستريت». وإذا ما حدث ذلك، يمكنك توقع تراجع الجنيه الإسترليني إلى 1.20 دولار.
ومع هذا، تبقى لدى حزب المحافظين فرصة واحدة أخيرة واسم واحد يبرز من بين المتنافسين العشرة على منصب ماي: بوريس جونسون، وزير الخارجية وعمدة لندن سابقاً المثير للجدل والذي تنقسم حوله الآراء. ويتركز معظم المخاوف المحيطة بجونسون على قبوله خيار الخروج من الاتحاد الأوروبي دونما اتفاق في 31 أكتوبر إذا لم تقدم بروكسل تنازلات بخصوص اتفاق ماي، في وقت يتوقع فيه الكثيرون حدوث صدمة اقتصادية لبريطانيا حال السماح بحدوث ذلك. ومع ذلك، لا بد أن ثمة لحظة تحين يصبح عندها الخروج المفاجئ خياراً أهون عن المضيّ في مفاوضات بلا نهاية، وما يحمله ذلك من شكوك وارتباك للأسواق.
ومن الممكن أن يوفر فوز جونسون دفعة إيجابية للجنيه الإسترليني إذا ما أدى إلى خروج أسرع وأقل إثارة للمشكلات. وهناك شعور بأنه حال حدوث ذلك، فإننا قد نشهد تعافياً في الاستثمارات الأجنبية المباشرة من دول في الشرق الأوسط وآسيا، التي أبدت تحفظاً تجاه الاستثمار في المملكة المتحدة لحين انتهاء فصول ملحمة «بريكست». وكان لتوقع التجار هذا التعافي دور في الحيلولة دون تعرض الجنيه الإسترليني لمزيد من الانهيار.
ومن بين الأسباب المحتملة وراء الاعتقاد بأن انتخاب جونسون سيسهم في تعافي الجنيه الإسترليني، الوعود التي أعلنها بتخفيض الضرائب عن أصحاب الأجور الأعلى، الأمر الذي يعد إيجابياً بالنسبة إلى الاستثمار، علاوة على أنه يبدو المرشح الأقدر على بث روح جديدة في حزب المحافظين والإبقاء على كوربين خارج السلطة.
بوجه عام، فإن أعضاء حزب المحافظين القادرين على الفوز في الانتخابات يعدون بمثابة سلالة نادرة. وقد كشف فوز جونسون بمنصب عمدة لندن مرتين أنه اجتاز هذا الاختبار سابقاً بنجاح.
أما باقي المتنافسين، من جيرمي هنت حتى ساجد جاويد، فلا يطرحون أجندات تختلف كثيراً عن ماي. واللافت أن وزير شؤون «بريكست» السابق، دومينيك راب، يتمسك بموقف أكثر تشدداً إزاء أوروبا عن جونسون نفسه.
وبالتأكيد هناك احتمال لأن تكشف الأيام أن جونسون اختيار كارثي، فعلى أي حال كانت فترة توليه منصب وزير الخارجية مثيرة للشعور بعدم الارتياح، ويعد تهديده بحجب 39 مليار دولار مستحقة للاتحاد الأوروبي حال عدم التوصل إلى اتفاق مرضٍ، مخاطرة كبيرة.
وهناك احتمال كبير كذلك أن يعوق البرلمان الطريق أمام الانفصال عن الاتحاد الأوروبي دونما اتفاق في كل الأحوال، لكن عند هذه النقطة يتعين أن تسأل نفسك: أيهما أشد خطراً على رخاء بريطانيا؛ سنوات من الشك والتشاحن حول شروط الخروج من الاتحاد الأوروبي، أم خروج حاسم كذلك الذي يهدد به بوريس جونسون؟ في كل الأحوال، يجب عدم التقليل أبداً من أهمية وقيمة المواقف الواضحة.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»