د. شمسان بن عبد الله المناعي
TT

قمم السعودية والفرص التاريخية

نجحت الدبلوماسية السعودية في اختيار المكان والزمان المناسبين في عقد مؤتمرات القمم الثلاث في مكة المكرمة وفي نهاية العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وذلك يعطي معاني كثيرة من حيث المكان حيث الكعبة المشرفة قبلة المسلمين، ومن حيث الزمان في العشر الأواخر من رمضان حيث الفتوح وانطلاق الدعوة الإسلامية للعالم؛ تلك الدعوة التي تقوم على التسامح والتراحم ووحدة الموقف الإسلامي والتي تجسدت في موقف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من مشركي مكة عندما قال لهم «ما تظنون أني فاعل بكم»، فقال كفار قريش «أخ كريم وابن أخ كريم»، فقال لهم الرسول الأعظم «اذهبوا فأنتم الطلقاء». وكما يقول الكاتب والباحث السعودي زيد الفضيل، في تصريحات لوكالة «سبوتنيك»، إذ يوضح: «هذه قمم سلام وليست قمم حرب، لكونها تعقد في أرض السلام، وشهر المغفرة (رمضان)، ولذا أتصور بأنها ستقدم رسالة إيجابية، وعلى الآخر التقاطها والتعامل معها». ويضيف الفضيل: «طبيعة المكان والزمان تفرض أهمية بالغة للحدث، فدلالة الاجتماع في أقدس البقاع كبيرة، وفي شهر رمضان، وهو من أقدس الشهور لدى المسلمين، في ذلك رسالة إيجابية، من حيث المبتدأ والمنتهى، وترغب المملكة والدول المجتمعة في أن تبعثها لكل القوى المختلفة معها».
هذه هي المبادئ التي يجب أن تقوم عليها العلاقات بين الدول وقامت من أجلها الثورات في العصر الحديث، مثل الثورة الفرنسية والثورة البلشفية، التي سبقها الإسلام بعقود من الزمن، والتي كانت مجرد دعوات بينما الحضارة الغربية هذه غارقة في النظرة المادية التي أفقدت الإنسان جميع المعاني الجميلة التي كانت فيه، جاعلة إياه وحشاً من الوحوش، ومن هنا فقد ضاع مفهوم التسامح، ومبدأ «ما تظنون أني فاعل بكم» في ظل هذا الصراع الوحشي الحيواني بين بني البشر على أطماع الدنيا، وفي ظل غياب توحد مواقفها تلتقي من أجل تحقيق هدف واحد، وهو تحقيق العدل والسلم الدوليين التي أنشئت من أجلها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.
وإذا ما رجعنا إلى الظروف السياسية غير العادية التي تمر بها منطقتنا العربية نستخلص منها أن تلك الرسالة السامية التي اتفقت عليها الدول، التي حضرت مؤتمرات القمم كانت موجهة تحديداً إلى النظام الإيراني الذي منذ أن جاء وهو يعمل في السر والعلن على حدوث الصراعات بين الدول والحكومات وشعوبها في العالم، ودعم الجماعات الإرهابية في كل مكان لنشر ما «يعتقده» بالثورة الخمينية في العالم «وكان يعوّل كثيراً على الإدارة الأميركية الجديدة التي أصبحت تهتم بمصالحها الاقتصادية، وذلك حق مشروع لها أكثر وترى في إيران دولة تدعم الإرهاب في كل مكان وتتدخل في شؤون الدول الداخلية تحت عباءة المذهب الديني وشعوبها ترزح تحت الضغوطات الاقتصادية وسوء الأحوال المعيشية».
لقد كانت قمماً صعبة على قطر وإيران وتركيا جعلتها في عزلة دولية ومواقف ضعيفة، وإذا كان مجرد انعقاد مثل هذه القمم يرعب هذه الأنظمة فكيف إذا ما تم تنفيذ قراراتها في الواقع، ولذلك غيرت إيران من خطابها السياسي سواء تجاه أميركا حيث لم تمانع في عقد قمة مع الرئيس ترمب «بشروطها»، أو تجاه دول الخليج العربي، حيث أبدت رغبتها في عقد اتفاقيات معها.
لقد وفرت هذه القمم فرصاً تاريخية لقطر وإيران وتركيا لحل مشاكلها مع دول العالم وعليها فسوف تكون هذه القمم حدثاً تاريخياً لحل كثير من المشكلات، ولكن غطرسة مثل هذه الأنظمة و«تضخم الأنا» و«جنون العظمة» عند قادتها منعتهم من تحقيق ذلك، وأثبتت القمم أن مثل هذه الأنظمة الثلاثة ماضية في طريق الإرهاب ودعم المشروع الإخواني في دول العالم الإسلامي؛ ولذا فإن مرحلة ما بعد هذه القمم سوف تكون عسيرة على هذه الدول، حيث ليس هناك شيء بعد هذه القمم إلا المواجهة، والأيام سوف تكشف ذلك... لقد فوت الإرهابيون الفرصة وعليهم أن يتحملوا النتائج.