شارلز ليستر
- زميل ومدير قسم مكافحة الإرهاب بمعهد الشرق الأوسط
TT

إيران تنأى عن معركة إدلب وتتوغل في سوريا

منذ شن هجوم «فجر إدلب» قبل شهر، سعى النظام السوري وروسيا حثيثاً لتحقيق ذلك النوع من المكاسب الإقليمية التي ربما يتوقعها البعض. فبعد خمسة أسابيع من الصراع، لم تتم السيطرة إلا على بلدتين صغيرتين وبعض القرى، فيما فشل النظام في التقدم إلى الأمام على الرغم من حقيقة أن نظام الأسد قد نشر وحداته الأكثر تقدماً وولاءً في الخطوط الأمامية، بما في ذلك «قوات النمر» سيئة السمعة.
ومن المثير للاهتمام أنه لا يوجد حتى الآن أي دليل على أن إيران أو وكلاءها لعبوا دوراً في حملة النظام على إدلب. يتماشى ذلك مع المعلومات التي تبادلها معي المسؤولون الروس في فبراير (شباط) عندما جرى الاتفاق أولاً على الخطوط العريضة لتلك «العملية المحدودة». فبعد عودتهم من جولة مفاوضات آستانة، أخبرني الروس في فبراير أن إيران لا ترى إدلب أولوية استراتيجية، ونظراً إلى تعقيد وحجم التحدي، فقد عرضوا فقط لعب دور الداعم اللوجيستي والمدفعي. من ناحية أخرى، فإن لدى الأسد وروسيا مصالح واضحة في شمال غربي سوريا، وكما هو واضح اليوم، كان لخسارة الوكيل الإيراني تأثيرها الواضح.
سيكون ذلك بمثابة دعوة لاستيقاظ نظام الأسد، وهو يضفي مصداقية على بعض المخاوف داخل روسيا بشأن حجم التحدي الذي يمثله فتح جبهة شمالية غربية. وهذا ما يفسر لماذا بدأت الاستراتيجية المؤيدة للأسد في إدلب تتحول في غضون ثلاثة أسابيع إلى الهجوم. ومنذ ذلك الحين شهد العالم تباطؤاً في العمليات الأرضية وإطلاق حملة ضخمة من الجو وقذائف المدفعية التي هزت المنطقة الشمالية الغربية بأكملها، لتودي بحياة أكثر من 250 مدنياً وتدمير 24 منشأة صحية و29 مدرسة وتشرد 307 آلاف شخص حتى الآن، بعد أن أُجبروا على العيش في الحقول المفتوحة تحت أشجار الزيتون.
لا شك في أن إدلب هي موطن التهديدات الإرهابية، حيث يوجد بها التنظيم الموالي لـ«القاعدة» في السابق «هيئة تحرير الشام» والفصائل الموالية لـ«القاعدة» حالياً مثل تنظيم «حراس الدين». ومع ذلك، لا يزيد عدد هذه الجماعات على 25000 مقاتل – ما يعادل 0.8 من إجمالي ثلاثة ملايين شخص يعيشون في شمال غربي سوريا. لكن باقي السكان (نسبة 99.2) لا يستحقون المعاناة لمجرد وجود قلة مارقة تعيش وسطهم. علاوة على ذلك، فإن «هيئة تحرير الشام» وحلفاء «القاعدة» لا يحظون بشعبية كبيرة بين سكان منطقة إدلب، لذلك فإن استراتيجية العقاب الجماعي تضمن شيئاً واحداً فقط وهو توفير الدعم للمتطرفين لأنهم سيسعون إلى تقديم أنفسهم للشعب كأبطال وحماة لهم. الحقيقة أنه بعد عقود من الزمن، يبدو أن روسيا لم تتعلم هذا الدرس من صراعها في أفغانستان.
في تلك الأثناء، شاهد العالم هذه المذبحة ووقف صامتاً، وتضاعفت اهتمامات أميركا لفترة وجيزة عندما جرى الإبلاغ عن هجوم صغير محتمل بغاز الكلور، لكن هذا الاهتمام تلاشى منذ ذلك الحين. نشر الرئيس ترمب تغريدة يوم 2 يونيو (حزيران) حول «سفك الدماء» الذي يجري في إدلب، لكن من غير المرجح أن يكون لبعض كلمات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تأثير يُذكر. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن حكومات الشرق الأوسط تبدو غير معنية بما يجري كما لو أن الأحداث في إدلب لم تبارح حدودها.
أحد الجوانب المتعلقة بتطور الأوضاع الذي بدأت تداعيتها تخرج من شمال غربي سوريا في الأسابيع الأخيرة كان تدهور العلاقات التركية - الروسية التي كانت حتى وقت قريب في طي الكتمان. فعندما بدا أن «الهجوم المحدود» الروسي - السوري قد أخذ في التوسع، جاء الرد التركي بتوفير كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة لشركائها في «جبهة التحرير الوطنية» - بما في ذلك الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات والعربات المدرعة. كما أعادت تركيا نشر المئات من مقاتلي «الجيش الوطني السوري» من عفرين إلى الخطوط الأمامية في شمال حماة، والتي أثبت الكثير منها أهميته الحاسمة في تعزيز الخطوط الدفاعية وشن هجمات برية مضادة. من الصعب ألا نرى توافق هذه التحركات التركية مع روسيا وتصعيد سوريا الجوي الهائل. فمنذ ذلك الحين، فشلت كل محاولات التفاوض لوقف إطلاق النار.
إن انهيار العلاقات التركية - الروسية لا يهدد بتصعيد أكثر فوضوية في إدلب وتشريد مئات الآلاف من النازحين فحسب، بل إنه أيضاً يعرّض للخطر أي احتمالات طويلة الأجل لتحقيق الاستقرار السوري.
إن الصمت في المنطقة يهدد قدرة الحكومة ليس فقط على التأثير على مستقبل سوريا، لكن أيضاً على حماية سمعتها ومصداقيتها. فالعديد من الحكومات في الشرق الأوسط يقضي سنوات في دعم قضية المعارضة السياسية والعسكرية السورية. لكن تلك السياسات تلاشت منذ أواخر عام 2016، فقد اقترح بعض المفكرين في المنطقة إعادة الانخراط مع النظام السوري بغرض منافسة النفوذ الإيراني، لكن السماح بمذبحة طويلة الأمد في شمال غربي سوريا من شأنه أن يفسد أي فرصة لتحقيق هذا الهدف. فبينما تقاتل روسيا ودمشق في إدلب، تواصل إيران بهدوء تنفيذ استراتيجيتها الجديدة للتكامل المحلي - في الميليشيات والسياسة المحلية والحكومة والتجارة والاقتصاد وفي المجال الثقافي.
مع تقديم إدلب وما يحدث بها كوسيلة للإلهاء ولفت الأنظار على المدى البعيد، لا يوجد شيء يعترض طريق إتمام طهران تحديها النهائي بتغلغلها العميق في جميع قطاعات الدولة والأمة السورية. ربما يمثل ذلك أعظم انتصار استراتيجي إيراني منذ عام 1979.
- خاص بـ«الشرق الأوسط»