جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

حرب أخرى أم أخيرة؟

خلال الأسبوعين الأخيرين، مع تزايد حدة الاحتراب بين قوات المشير حفتر والميليشيات في ضواحي العاصمة طرابلس، يمكن القول إن الأزمة الليبية قد خرجت من نفق ظلت قابعة فيه لفترة زمنية طويلة نسبياً، مما خلق نوعاً من حالة أطلق عليها المبعوث الأميركي السابق لليبيا السيد جوناثان واينر، وصف «عدم استقرار مستقر»، نتيجة لعدم قدرة أي طرف فيها على حسم الأمر لصالحه عسكرياً، ودخلت، حالياً، في نفق آخر، أكثر ضراوة يمكن وصفه بنفق مرحلة «كسر العظم»، ويمثل نقلة نوعية في الصراع الدائر من ثمانية أعوام، بين مختلف الأطراف المتنافسة على السلطة والنفوذ، في بلد مفتوح، حتى الآن، على كل الاحتمالات إلا الوفاق والسلام.
المؤشرات على ذلك كثيرة، وفي رأيي الشخصي، ما حدث من تطورات سياسية، مؤخراً، بدخول الولايات المتحدة حلبة التنافس الجاري بين الأطراف العربية والإقليمية والأوروبية الراعية لمختلف الأطراف المتحاربة. إذ رفض مندوبها، مؤخراً، التصويت على مشروع القرار البريطاني الداعي لوقف إطلاق النار في الحرب الدائرة في ليبيا، وبالتالي، توافق الموقف الأميركي، لأول مرة، مع الموقف الروسي. مشروع القرار البريطاني طالب الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بإلقاء اللوم على المشير حفتر في اندلاع الحرب الأخيرة. كما دعا مشروع القرار الدول التي لها نفوذ وتأثير على الأطراف المتحاربة إلى تأكيد التزام هذه الأطراف المدعومة بوقف إطلاق النار وفتح ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية. هذا أولاً.
وثانياً، ما تناقلته وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من أخبار، مؤخراً، بشأن اتصال هاتفي مباشر بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والمشير خليفة حفتر. الاتصال الهاتفي تم يوم الاثنين الماضي، ولم يعلن عنه البيت الأبيض إلا يوم الجمعة، أي بعد نحو 5 أيام. الأمر الذي يثير التساؤل. الأخبار، أيضاً، ذكرت أن جون بولتون، مستشار الشؤون الأمنية، أجرى، هو الآخر، اتصالاً هاتفياً مع المشير حفتر، قبل ترمب. المحلل السياسي محمود شمام لاحظ معلقاً على ذلك في إدراجة له نشرها على صفحته في «فيسبوك»، إمكانية «انتقال الملف الليبي من مكانه الحالي بوزارة الخارجية إلى مكتب بولتون في البيت الأبيض».
البيان الصادر عن البيت الأبيض ذكر أن ترمب «اعترف بالدور المهم للمشير أركان حرب حفتر في مكافحة الإرهاب، وحماية الموارد النفطية الليبية. كما ناقش الاثنان رؤية مشتركة بشأن انتقال ليبيا إلى نظام سياسي ديمقراطي مستقر». علماً بأن البيان تجنّب الإشارة إلى الهجوم الأخير على طرابلس. البيان، أيضاً، مؤشر لنقلة مختلفة في الموقف الأميركي، عن مواقفه السابقة، التي جاءت عبر بيانات تدين فيها الإدارة زحف قوات المشير على العاصمة. فما الدوافع وراء هذا التغير المفاجئ؟
الولايات المتحدة لم تذكر الأسباب التي دعتها إلى رفض دعم مشروع القرار البريطاني. وهذا بدوره يؤدي إلى بروز عدة أسئلة. أهمها، هل التوافق الأميركي الروسي على مشروع القرار البريطاني يعني، ضمن أمور أخرى، توافقاً ثنائياً بين البلدين على تسلم الملف الليبي والتعامل معه مباشرةً، واعترافاً بفشل الأطراف الأخرى (فرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، والاتحاد الأوروبي)، في إيجاد حل للأزمة، بسبب حمى تنافسها؟
وهل يعني، أيضاً، إشارة بدء في تآكل الدعم الدولي الذي حظيت به، في الشهور الماضية، حكومة الوفاق، برئاسة السيد فائز السراج؟ الدعم المحلي لحكومة الوفاق بدأ في التآكل منذ مدة، لعجزها عن إيجاد حلول للمشكلات الحياتية اليومية التي يعانيها المواطنون: فهل نشهد قريباً مرحلة البدء في رفع المجتمع الدولي غطاء دعمه لحكومة الوفاق، وهو الغطاء الذي وفّر لوجودها شرعية دولية، ما كانت لتستمر لولاها؟
على الأرض، لم تتضح الصورة النهائية بعد لما يحدث في ميادين المعارك من اشتباكات، وكرٍّ وفرٍّ، وإن كانت المؤشرات الأولية تؤكد أن قوات المشير حفتر تواجه مقاومة ضارية من الميليشيات المسلحة، وأن سير المعارك يشير إلى أن أمد هذه الحرب سيطول زمنياً، لأن المشير حفتر مصمم على دخول طرابلس، وتخليصها من قبضة الميليشيات المسلحة. وهذا بدوره سيزيد في شدة نار النزاع وضراوتها وسيقود حتمياً إلى مزيد من معاناة المواطنين، خصوصاً في مناطق الاشتباكات، حيث تؤكد الإحصائيات نزوح أكثر من عشرين ألف مواطن من منازلهم، وتعرض الكثير من المباني لأضرار جسيمة، ناهيك بارتفاع أعداد القتلى، والجرحى، في صفوف المتحاربين.
فهل ستكون معركة طرابلس، مجرد معركة أخرى، أم أنها ستضع نهاية لأحد الطرفين المتحاربين، وبداية حقبة جديدة؟