كان من المفترض ليوم الجمعة الماضي أن يكون ميعاد مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي رسمياً. فكان بدلاً من ذلك اليوم الذي رفض فيه نواب البرلمان البريطاني صفقة السيدة تيريزا ماي للخروج للمرة الثالثة.
وكان ذلك هو التصويت التاسع بالرفض على التوالي خلال هذا الأسبوع، بعدما رفض نواب البرلمان طرقاً ثمانيَ للمضي قدماً يوم الأربعاء الماضي. وفي نهاية المطاف، وصفت السيدة ماي بأفضل توصيف ممكن حين قالت: «لقد بلغنا أقصى الحدود الممكنة لهذه العملية في هذا المجلس».
وبقيت هناك طريقتان فقط يمكن لبريطانيا مغادرة الاتحاد الأوروبي من دون أن تتحطم في خضم الفوضى المحدقة: من خلال الموافقة على خطة مختلفة، أو انتخاب برلمان مختلف. ويبدو الخيار الثاني هو المرجح والأكثر احتمالاً على نحو متزايد.
كانت الفرصة متاحة أمام السيدة ماي حتى يوم الجمعة الماضي للحصول على الدعم البرلماني لصفقتها في مقابل موافقة الاتحاد الأوروبي على تمديد ميعاد مغادرة بريطانيا حتى يوم 22 مايو (أيار) المقبل. أما الآن، فليس أمام المملكة المتحدة سوى تاريخ 12 أبريل (نيسان) المقبل لإبلاغ الاتحاد الأوروبي بما تنوي فعله على وجه التحديد. ومن الناحية القانونية، فإن الوضع الافتراضي يقضي بأن تغادر المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي من دون صفقة واضحة إن لم تتخير المضي في مسار آخر.
ويمكن لبريطانيا السعي وراء التمديد الآخر، ولكن يتعين عليها في هذه الحالة المشاركة في انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة، الأمر الذي يبدو مفعماً بالخلاف والجدل على جانبي القناة الإنجليزية. كما يتعين على المملكة المتحدة أن تفسر إلى بروكسل كيفية استخدام المهلة الزمنية الإضافية.
وتقول المفوضية الأوروبية حالياً إن المغادرة من دون صفقة هو «السيناريو المرجح»، وهي على أتم استعداد للمضي قدماً في هذا المسار. فهل يبدو ذلك من المواقف المفرطة في الدراماتيكية؟ لا أعتقد ذلك. فمع اعتبار حالة التردد الواضحة لدى البرلمان البريطاني، وحقيقة أن قيادة كلا الحزبين الكبيرين قد اتخذت مواقف معنية بالمميزات الانتخابية بأكثر من اهتمامها بالصالح العام، فسوف يكون من الحمق البالغ استبعاد خيار المغادرة من دون صفقة فقط، لأنه لا أحد في البرلمان يريدها.
إذا كان هذا ما يحدث، فلن يتمكن حزب العمال من تفادي تلقي جانب كبير من اللوم. لقد غرس أنصار «بريكست» بذور الأزمة الراهنة ودفعوا الحكومة إلى حالة من الاختلال الوظيفي الكامل. ويقول حزب العمال إنه يريد ضمانات بأن مستقبل العلاقات التجارية سوف يسفر عن توثيق الروابط مع الاتحاد الأوروبي، ولكن هذا يستلزم قبول اتفاقية السيدة ماي لمغادرة الاتحاد - والتي رفضها نواب حزب العمال في البرلمان مرة أخرى يوم الجمعة الماضي. لقد كان الأمر بمثابة التنكر الحزبي لكل المبادئ في أبشع صوره.
ودعا الاتحاد الأوروبي إلى عقد قمة الأزمة في العاشر من أبريل - المقبل. كما حدد الاتحاد الشروط التي سوف يعيد بمقتضاها التفاوض بعد المغادرة من دون اتفاق. وهي شروط تبدو مماثلة بشكل لافت للنظر لشروط صفقة الطلاق التي واصل البرلمان البريطاني رفضها كلما طرحت عليه للتصويت - بما في ذلك ضمان استمرار الحدود الآيرلندية مفتوحة، وسداد المدفوعات إلى ميزانية الاتحاد الأوروبي، وضمانات حقوق مواطني الاتحاد الأوروبي.
وهناك دائماً قدر من السخرية فيما يتعلق بمعالم «بريكست». كانت خطة السيدة ماي قد حازت يوم الجمعة على أصوات داخل البرلمان بأكثر مما حازه أي خيار آخر. ومن الصعب معرفة كيف سوف تتمكن رئيسة الوزراء البريطانية من إعادة طرح صفقتها للتصويت البرلماني للمرة الرابعة على التوالي - ولكنها يمكنها المحاولة على أي حال.
وسوف ينظر البرلمان البريطاني في الخيارات الأخرى يوم الاثنين المقبل. وفي التصويت الاسترشادي الذي جرى يوم الأربعاء الماضي، كان أدنى الخيارات أفضلية هو المتعلق بإجراء «الاستفتاء التأكيدي» بشأن الصفقة غير محددة المعالم. وحيث إن حزب العمال يساند فكرة الاستفتاء الثاني، وأغلب أعضاء حزب المحافظين يعارضونها تماماً، بات من الواضح الآن كيف يمكن لمثل هذا الخيار أن ينال المزيد من الدعم الإضافي الكبير.
ثم هناك خيار البقاء ضمن الاتحاد الجمركي الأوروبي. وربما تكون هذه هي أفضل الفرص المتاحة للحصول على ما يكفي من الدعم عبر مختلف الأحزاب المعنية بالأمر، حشداً للمزيد من أغلبية الأصوات.
وأياً كانت الخطة المختارة في خاتمة المطاف، فإن العلاقات التجارية في المستقبل بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي سوف تشهد جولة أخرى مستقلة من المفاوضات بواسطة زعيم آخر، وأن تلقى دعم البرلمان البريطاني كذلك.
والسيدة تيريزا ماي، إن كنا نعرف أي شيء عنها على الإطلاق، فإنها لم تنتهِ من هذا الملف حتى الآن. لكن، إن كانت هناك أي فرصة لإنعاش صفقتها، أو أي نسخة منبثقة عنها، فسوف تحتاج إلى دعم حزب العمال مع التعهد بإجراء الانتخابات العامة الجديدة. والبديل المنتظر سيكون التصويت بحجب الثقة عن حكومة تيريزا ماي، الأمر الذي ينتهي بنا في نفس المكان.
وفي الأثناء ذاتها، يبدو أن السيدة تيريزا ماي تتشبث أيما تشبث بمنصبها، والبرلمان وصل إلى الطريق المسدود. وبعد ثلاث سنوات من انطلاق الناخبين البريطانيين إلى صناديق الاقتراع للاستفتاء على البقاء أو مغادرة الاتحاد الأوروبي، يبدو من المرجح وبشكل متزايد أن تطلب منهم حكومة البلاد العودة إلى الوراء لمحاولة العثور على الطريق المفقود بغية التسوية التي خلقها التصويت البرلماني.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»