أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

الحلول في الرياض

يقول وزير المالية السعودي محمد الجدعان، للأوروبيين: تفضلوا إلى الرياض (العاصمة) للاطلاع على جهود المملكة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. في معرض رده على إدراج المفوضية الأوروبية اسم المملكة العربية السعودية على لائحة مقترحة للدول المقصِّرة أو المتهاونة في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أبلغ الجانب القطري مؤخراً بأنه لا حلول لديه لأزمتهم مع الرباعية المقاطعة لها سوى أنه يدعو للأخذ بالوساطة والحوار مع الرياض.
أحياناً تكون الحقيقة أقرب من أرنبة الأنف، لكنها بعيدة عن الإدراك لمن لم يعقد نية صافية ليراها.
بالنسبة إلى لائحة المفوضية الأوروبية، فهي ليست معيبة ومليئة بالأخطاء فحسب، بل حتى مستنكَرة ومرفوضة من حيث المعايير التي بنت عليها ما خلصت إليه. ولهذا رفضت غالبية دول الاتحاد الأوروبي إدراج السعودية في القائمة المذكورة، وبقي اجتهاد المفوضية غير مقبول حتى من أهله.
في وقت تموج فيه الأخبار الرصينة مع المغرضة والزائفة، يصبح الخبر عرضة للشكوك، لكن ما جرت العادة عليه أن الجهات الرسمية ذات الاعتبار هي مصدر موثوق للخبر من حيث صحته شكلاً وموضوعاً، لذلك ردت الرياض رسمياً على موقف المفوضية الأوروبية المبدئي على أساس الثقة في عملها والتجرد من أي دوافع أخرى. وفي النهاية لم تعد القائمة ذات معنى. صحيح أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عارضت إلحاق السعودية، إحدى الدول العشرين الأقوى اقتصاداً في العالم، ضمن دول عليها شبهات مثل أفغانستان وبنما، لكن مجرد الدعاية السلبية التي أقدمت عليها المفوضية يعد أمراً غير مقبول، ليس فقط لأن السعودية ملتزمة باستراتيجيات وإجراءات واضحة للحد من غسل الأموال وتجفيف قنوات تمويل الإرهاب التي تقرها المواثيق والقوانين الدولية، بل أيضاً لأنها عانت كثيراً من جراء وصول الأموال للجماعات الإرهابية التي تنفقها على عملياتها في المنطقة، والسعودية على رأس الدول التي نفّذت الجماعات المتطرفة عمليات على أرضها. وعلى كل حال فاستدراك دول الاتحاد الأوروبي للموقف، ومعارضتها وجود اسم المملكة في قائمة سوداء يُنهيان موضوع الدعاية السلبية، لكنهما يبقيان على أهمية أن تكون المؤسسات الرسمية ذات مصداقية عالية خصوصاً في ما يتعلق بموضوع الإرهاب، لا أن تكون مسيّسة لأهداف أخرى أو لصالح قضايا أخرى.
في الرياض يمكن فهم آليات عمل المؤسسات المالية الرسمية وكذلك الخاصة في الدولة والتزامها في معاملاتها المالية بالأنظمة الدولية بشفافية.
وفي الرياض أيضاً يكمن حل الأزمة التي تعاني منها قطر. أزمة قطر حلها ليس سحرياً، بل واقعي. وأهم متطلبات الحل التوقفُ عن دعم الإرهاب في الخليج ومصر وليبيا واليمن. حتى وزير خارجية روسيا لم يقبل فكرة تدويل الموضوع الذي يرى أنه صغير بالمقارنة بموضوعين كبيرين على الطاولة الدولية جاء ليناقشهما مع قادة المنطقة؛ وهما الحل السياسي في سوريا، وإعادة إحياء مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. الرياض رفضت فكرة الحل الأحادي مع الدوحة دون شركائها؛ أبوظبي والمنامة والقاهرة، رداً على مقترح قطري يائس. ستظل الدوحة تعاني وحدها لأن أزمتها كبيرة عندها، صغيرة لدى الآخرين. وعلى النظام في قطر أن يحْذر من أن تصبح أزمته صغيرة حتى عنده، في حال تكالبت عليه فضائح الرشى التي طالت بنك «باركليز» البريطاني ومنظمة الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا».
ستة أعوام ومكتب مكافحة جرائم الاحتيال الكبرى في بريطانيا ينظر في فضيحة الابتزاز والرشى التي أُبرمت بين متنفذين في بنك «باركليز» البريطاني ورئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني. الأخبار تتوالى عن تفاصيل هذه الفضيحة؛ رسائل بريد إلكترونية وتفريغ لاتصالات واجتماعات. كشف عن تفاصيل هائلة ومستوى عالٍ من اللصوصية والالتفاف حول القانون. والخلاصة أن ابن جاسم طلب عمولة، أي رشوة، بملغ 600 مليون جنيه إسترليني مقابل حزمة استثمار مالية بمبلغ 1,6 مليار جنيه إسترليني يحتاج إليها البنك ليفلت من قبضة الحكومة البريطانية والتأميم المنتظر بعد أزمة 2008 الاقتصادية. والأخبار تنهمر بغزارة حول حقيقة الرشوة التي قدمتها الدوحة لـ«فيفا» مقابل فوزها باستضافة كأس العالم 2022، مع الضغوط المالية التي أصبحت تعاني منها الدولة الغازيّة، بعد اتساع مساحة المنافسة على إنتاج الغاز الطبيعي وإنفاقها على القواعد العسكرية التركية والأميركية التي تطالب بمزيد من المال القطري مقابل الضيافة. هذه مشكلات كبيرة تثقل ظهر النظام الذي يبعثر أمواله لشراء مواقف سياسية وأقلام صحافية، وتنبئ بضائقة مالية وسياسية.
حينما نقول: إن الحل في الرياض لا نعني أن نحتكر فك الأزمات، لكن الرياض باتت اليوم قوة سياسية واقتصادية تحتم عليها دور القيادة بحكمة وصلابة. الدبلوماسية السعودية أوضحت نفسها في أكثر من مناسبة؛ لا نتدخل في شأن أحد ولا نقبل التدخل في شؤوننا، والعاصمة مفتوحة لاستقبال أهل السلام والباحثين عن الحقيقة.
[email protected]