عبدالرحمن الشبيلي
إعلامي وباحث سعودي
TT

مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

في حفل المختصر المفيد، أضاء المركز شعلة عامه الحادي والثلاثين، متوجا - بحضور ولي العهد السعودي - عمرا من العطاء العلمي والبحثي المثمر البناء، جامعا جملة من الخصال لا يجتمع كثير منها عند غيره.
أولاها؛ أنه يجسد شخصية فيصل بن عبد العزيز ملك الرزانة والحكمة والبصيرة، وما كان أجمل من أن تبقى سيرته العطرة وتاريخه وإنجازاته، ممثلة بمؤسسة خيرية وبجائزة عالمية وبمركز دراسات ومعلومات وبحوث لا يختص بسيرته بقدر ما يتخصص في كل تاريخ العرب والمسلمين وتراثهم.
وثانيتها؛ أنه يحظى بدعم مؤسسة خيرية جادة تسخِّر كل طاقاتها للعلم وخدمة العلماء والباحثين، يتفرغ أحد رجالاتها (تركي الفيصل) لقيادة المركز وحضور كل ندواته وورش العمل واللقاءات مع الباحثين، بوصفه فردا من العاملين اليوميين فيه.
وثالثتها؛ أنه المركز شبه الوحيد عربيا في الأقل، الذي يتبنى الباحثين العرب والأجانب من كل الجنسيات والقوميات والديانات ويسهل تأشيراتهم وإقامتهم ويرتب لهم اللقاءات والاتصالات، دونما أدنى تدخل فيما يصدر عنهم من كتابات أو مؤلفات، فهو يتعامل مع العلم من أجل العلم لا من أجل السياسة والإعلام، حتى لقد بلغت به الموضوعية أن تبنى كتبا بعينها وترك الحرية للمؤلفين كي يكتبوا ما يرونه حقا وصوابا.
ورابعتها؛ أنه يحظى بأمين عام، يعشق الكتاب، ويتوسد الوثيقة، وينفض بنفسه وعث الزمن عنها، ويتغنى بجمال المخطوط وقدمه وبقيمته التاريخية والعلمية، وتمثل المكتبة عنده وعند فريقه وجاهة الدنيا وما فيها، يعزف عن وهج الأضواء فتسعى إليه.
دخلت عليه يوما فوجدته في صومعة داخل مكتبه، جالسا على الأرض حسير الرأس كعادته، متكمما من الغبار، وإذا هو يفرز أوراقا ثمينة عفّى عليها الزمن، عثر عليها تباعا في إحدى أسواق الحراج (البيع بالمزاد) من المقتنيات الخاصة لأستاذ النفط العربي عبد الله الطريقي، في عشق للوثائق من قبل الدكتور يحيى الجنيد ما بعده عشق.
ليس من رعى الاحتفالية أو حضرها هم، فحسب، من يفتخر بالمركز وبعطائه وبموقعه بين مراكز البحوث والدراسات، وبما يحتضنه من مخطوطات ووثائق وأوعية معلومات، وبما يقدمه من تسهيلات للباحثين، ويضع كل إمكاناته في خدمة التاريخ والتراث الإسلامي، لكنهم العلماء كلهم، ينظرون إليه وإلى أمثاله من المكتبات المركزية ومراكز المعلومات - كدارة الملك عبد العزيز ومكتبة الملك فهد الوطنية والجامعات وفيها أغلى كنوز التراث - دررا في جبين الجزيرة العربية، إلى جانب مراكز الدراسات الجادة الأخرى في العالمين العربي والإسلامي.
وإذا كانت الاحتفالية - بمن حضرها يوم الأحد الماضي في الرياض - رمزية وتعبيرية، فإن المركز قد استقر في الأذهان - منذ يوم ولادته يحمل اسم الفيصل - معلما لما تتميز به بلاد الحرمين الشريفين من بعد ديني وحضاري وثقافي وتراثي متأصل وعريق.
* إعلامي وباحث سعودي