تيريزا رافيل
TT

خيارات ماي الأخرى بشأن «بريكست»

يبدو أن وجهة نظر تقليدية بدأت تتكون بشأن ما سيحدث في مرحلة ما بعد «بريكست»، الخروج من الاتحاد الأوروبي. في حال رفض البرلمان صفقة تيريزا ماي في يناير (كانون الثاني) القادم، كما هو متوقع، فسيكون إجراء استفتاء ثان أمراً حتمياً، لكن هناك بديلاً يتمثل في إجراء انتخابات عامة.
ورغم أن دعوات إجراء استفتاء ثان لا تخلو من بعض المنطق في حال فشل البرلمان في اتخاذ قرار، ستكون الكرة في ملعب الشعب بعد أن باتت الأمور أوضح وفهم الناس ماذا يعني «بريسكيت». وهناك مشكلتان كبيرتان توضحان السبب الذي جعل ماي تستبعد خيار الاستفتاء الثاني:
السبب الأول هو أن الاستفتاء الثاني سيكون فرصة يستغلها أنصار حملة الخروج الأوروبي باعتباره تمريناً يبين كيف أن الصفوة تستطيع التنمر بجموع الشعب الى أن يحصلوا منهم على الإجابة التي يريدونها، وحينها سيفكر الناس في طبيعة السؤال الأهم الذي يجب أن يثار. لكل تشكيل زلاته الخطرة، سواء تألف هذا التشكيل من طرفين أم عدة أطراف. في حال رفض البرلمان اتفاق ماي، سيكون هناك معنى لإعطاء المصوتين حق الاختيار بين البقاء أو الرحيل عن الاتحاد الأوروبي من دون إبرام اتفاق. لكن كيف سيكون الحال لو أن الناس اختارت إلقاء القضية برمتها من فوق حافة الجبل، أو بالأحرى الخروج من الأمر بخفي حنين؟
إن الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون إبرام صفقة يمثل الخطر أو العبء الذي يتوق الى تحمله حزب المحافظين في سبيل تحقيق هدفه الأسمى في استعادة السيادة الوطنية. وقد تجلت تلك النظرة في تأكيد أحد أنصار «بريكست» عندما قال «لو أن عائلتي أكلت العشب (بعد «بريكست») سأتمسك بصوتي الداعم لـ(بريكست)»، وهي النظرة التي لا يجب التقليل منها.
الكثير من المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل العمود الفقري للحزب، ستتلقى ضربة قوية بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون إبرام اتفاق، وهو ما سيحدث لمعقل حزب المعارضة، وهذا هو السبب في أنه استبعد هذا الخيار أيضاً.
وهنا نتطرق إلى للخيار الوحيد الجاد لرئيسة الوزراء غير الاستفتاء العام في حال رُفضت صفقتها ألا وهي الانتخابات. فالفكرة تبدو غريبة، إذ كيف لقائد حريص على تجنب المخاطر أن يعرض منصبه للخطر، فالتصويت لن يحل أوانه قبل عام 2022.
هناك عقبات لوجستية لكنها ليست مستعصية، حيث ستقوم ماي بمطالبة الاتحاد الأوروبي بمد أمد جدول القانون رقم 50 للسماح بمزيد من الوقت للاطلاع، وهو ما سيوافق عليه في الغالب. وللدعوة بتصويت مبكر، ستحتاج ماي الى دعم من المعارضة، إذ إن هذا هو الشيء الذي لا تستطيع المعارضة مقاومته إذا كان سيساهم في إسقاط الحكومة.
بالنسبة لماي، ستحقق الانتخابات العديد من الأشياء في وقت متزامن:
أولا، ستساهم الانتخابات في إنهاء تهديد «بريكست» من دون إبرام اتفاق. وسوف يقطع بيان حزب المحافظين على نفسه وعداً لأصحاب المشاريع والمستهلكين بأن حزب الإدارة الاقتصادية المستقرة لا يمكن بحال أن يقودهم الى بقعة مظلمة، وسوف يدفع الناخبين الى تأييد اتفاق ماي، وسف يدعهم للنقاش بشأن ملامح المستقبل التجاري الذي ينبغي السير فيه. فنقاشات من هذا النوع ستبدأ في اليوم التالي للخروج من الاتحاد الأوروبي.
سوف يتطلب ذلك من رئيسة الوزراء التراجع عن تأكيداتها بأن عدم إبرام صفقة سيكون أفضل من إبرام اتفاق سيئ. فقد كانت حبكة ضرورية خلال مرحلة المفاوضات مع بروكسل، لكنها لم تكن يوماً حقيقية، وهي ليست كذلك عند مقارنتها مع الاتفاق المتاح لها.
ثانياً، باستبعاد خيار الخروج الأوروبي من دون إبرام اتفاق والتهديد بإجراء انتخابات عامة، ستواجه ماي المتشددين في حزبها بخيار يقول: إما البقاء والحرب بشروط الحزب أو تشكيل حزب قومي محافظ جديد (من الممكن ضم أعضاء من المؤيدين للخروج الأوروبي من حزب استقلال المملكة المتحدة).
يمكن لهذا الحزب الجديد أن يدافع عن السيادة والقيم الاجتماعية التقليدية المحافظة. ربما يفوز الحزب بأصوات المغادرين لحزب العمال ويشكل «حزب المحافظين». لكن هذا الوضع قد يكون موضع اختبار في النهاية، بدلاً من أن ينحصر في نشرات الأخبار والمؤتمرات وحفلات العشاء التي تضم ذوي العقليات المتماثلة.
ثالثاً: ستظهر الانتخابات الموقف الغامض لحزب العمال تجاه «بريكست». فحزب جيرمي كوربن استطاع بمهارة معارضة مواقف الحكومة من دون عرض خطة بديلة واضحة لاستفتاء «بريكست». وقد سمح ذلك لحزب العمال بالاستمرار في التعامل اللبق مع مؤيدي الخروج من الاتحاد الأوروبي في قطاعات الصناعة البريطانية.
ستعطي الانتخابات ماي فرصة ضئيلة لتسليط الضوء على النقطة التي تريدها، تحديداً رؤية حزب العمال للسياسة الاجتماعية الاقتصادية في مواجهة ما يقدمه حزب العمال. وبالنظر إلى أنها لا تزال متقدمة في استطلاعات الرأي، فلن يكون هناك سبب وجيه للخوف كما يعتقد حزبها.
بالطبع لا يزال خطر إجراء تصويت جاثماً وبقوة، لأن ذلك ربما يفشل في كسب أغلبية واضحة، لكن حال استطاع حزب المحافظين في أن يكون الحزب الأكبر، ربما تقطع هي أو خليفتها وعداً باستفتاء آخر بين خيارها وخيار البقاء في الاتحاد الأوروبي. على الأقل لن يكون تهديد «بريكست» من دون إبرام اتفاق مطروحاً على الطاولة.
من الممكن أيضاً أن تثمر الانتخابات انتصاراً لحزب العمال، أو عن فئة تساند الخروج من دون إبرام اتفاق. وتتمثل مخاطر نتائج كهذه – بالإضافة الى مشكلات استفتاء آخر – في أنها ربما تجعل ماي مضطرة إلى التعامل مع أعضاء البرلمان من حزب المحافظين خلال الأسابيع القليلة القادمة. لكن حال فشل البرلمان في العام الجديد أيضاً في حشد الأغلبية لدعمها، فلن تسمح الانتخابات للناخبين بالتعبير عن تفضيلهم لنوع «بريكست» الذي يريدونه أو عن المستقبل السياسي الذي يتمنون.
بكل تأكيد ستنقل الانتخابات البلاد بعيداً عن الأزمة الحالية، لكن لن تكون بأي حال من الأحوال أسوأ من خطر خيار «بريكست» من دون إبرام اتفاق. بالنسبة لماي، رئيسة الحزب الذي دأب على تحطيم قادته بسبب أوروبا، فإن أغرب طريقة لإنهاء الفوضى الجارية ستكون خيارها الأخير.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»