مايكل شومان
TT

الصين وأميركا... المنافسة في النوعية

من المرجح أن تنهار احتمالات إبرام صفقات تجارية بين الرئيس الأميركي رونالد ترمب ونظيره الصيني شي جينبينغ خلال اجتماعات قمة العشرين القادمة في الأرجنتين؛ وذلك بسبب استراتيجيات الصناعة الصينية. فعلى الرغم من أن الصين تتطلع إلى شراء المزيد من البضائع الأميركية لإرضاء ترمب، فهي لا تتوقف عن دعم قطاعات ترى أنها ضرورية لتطور الصين تكنولوجياً واقتصادياً.
في الحقيقة، سيكون من الحكمة للصين تقليص حجم سياساتها الصناعية الآن، فقد يفوق الصداع الذي سيصيب الصين نفسها ما سيصيب بقية العالم.
على السطح، يبدو أن المسؤولين الأميركيين لديهم من الأسباب ما يدعو للجزع، فبرنامج «صنع في الصين 2025» يهدف إلى الإنفاق بسخاء على قطاعات متطورة مثل مركبات الطاقة الجديدة والروبوتات، مع تقديم الدعم والمساعدة لإيجاد أبطال قوميين قادرين على الهيمنة على أسواق العالم. وبسبب الخوف من طغيان صادرات التكنولوجيا المتطورة المدعومة من الدولة، التي قد تطمر الشركات الأميركية، فقد طالبت إدارة الرئيس ترمب بكين بالتوقف عن تقديم هذه المساعدات شرطاً لرفع قيود التعريفات المفروضة على البضائع الصينية.
بكل تأكيد، سيكون لمليارات الصين تأثيرها على أسواق الصين المحلية، حيث تهيمن الحكومة على قرارات الشركات وعلى اختيارات المستهلكين أيضاً. ولأن الدولة تمتلك الكثير من المؤسسات الكبرى، يمكن أن يجبر مديروها على شراء بضائع محلية بدلاً من المستوردة، أياً كان سعرها أو جودتها. يمكن للصين أيضاً أن تجعل من شراء المنتجات المحلية مسألة أمن قومي بالنظر إلى التهديد الذي يمثله مقاطعة المنتجات أو الحد من الصادرات؛ وهو ما قد يحد من واردات التكنولوجيا الأجنبية.
وخارج الصين، قد يكون التحدي أكبر. أولاً، ما من ضمان على أن توجيه المال بسخاء للصناعات المفضلة سيعزز من القدرة التنافسية بين الشركات المبدعة؛ ذلك لأن التاريخ مليء بمثل تلك البرامج والمحاولات. والصين حالياً تبدو وكأنها تسير تجاه بداية غير مبشرة. فدعم الدولة الكبير لبطاريات السيارات الكهربائية قد أوجد الكثير من الشركات والمصانع، لكن قلة قليلة منها فقط هي ما يمكن اعتبارها مؤسسات منافسة حقيقية.
وخارج الصين، في العالم الحقيقي، وبعيداً عن الحماية البيروقراطية، سيتعين على الصين المنافسة في النوعية والطراز والسعر والتكنولوجيا والخدمة في مواجهة لاعبين عتيدين وموثوقين، وهي العناصر التي يفتقدها مديروهم قليلو الخبرة ومحدودو النجاح. فالسمعة السيئة لاحقت شركة إنتاج المركبات «بي واي دي» بعد بيعها حافلات كهربائية معيبة في لوس أنجليس. كيف سيثق المستهلكون الأميركيون ويغامرون بإرسال أطفالهم إلى المدارس في حافلات كهذه، هل لديك حلول؟
يعني هذا أن الشركات الصينية لن تنافس إلا في السعر، لكن حتى هذا المجال لن يخلو من مشكلات. فحجم دعم الدولة بعض هذه الصناعات، سواء الدعم المباشر أو غير المباشر من خلال منظومة البنوك الحكومية بالغ الضخامة لدرجة أن الحكومات الأجنبية باتت شبه متأكدة من حتمية حماية شركاتها من المنافسة الصينية.
أظهرت دراسة أعدها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن الحكومات الصينية المركزية والمحلية أنفقت نحو 59 مليار دولار على صناعة المركبات الكهربائية بين عامي 2009 – 2017، دعمت الدولة حصة كبيرة منها.
وقد تسببت سياسيات سابقة للصين تميل إلى صناعات تفضيلية أخرى مثل الحديد والصلب وألواح الطاقة الشماسية في زيادة الإنتاج بصورة كبيرة، أدت إلى طوفان من الصادرات زهيدة السعر؛ مما أضر بالمنافسين حول العالم. وهناك بالفعل مؤشرات على أن شعار «صنع في الصين 2025» يسير في الاتجاه ذاته في قطاعات، أهمها السيارات الكهربائية، ومن غير المرجح أن يقف قادة الدول الأخرى مكتوفي الأيدي وهم يشاهدون الاستثمارات الصينية المسرفة تضر بصناعاتهم. (بالفعل استهدفت بعض التعريفات الجديدة التي أقرتها إدارة ترمب حملة «صنع في الصين 2025»).
الأهم من كل ذلك هو أن الحكومات الأجنبية من المرجح أن تقدِم على منع بعض منتجات التكنولوجيا المتطورة الصينية لدواعٍ تتعلق بالأمن القومي. فقد حظر الكونغرس الأميركي مؤخراً دخول معدات مراقبة متطورة تعمل بالفيديو من إنتاج شركتين صينيتين إلى المنشأة الحكومية لدواعٍ أمنية. وسوف تفكر الشركات الأوروبية والأميركية مرتين قبل استخدام رقائق إلكترونية صناعة صينية، وهي السلعة التي تحظى بدعم كبير من الحكومة الصينية أيضاً.
ولذلك؛ فإن دعم الحكومة الصينية قد يتسبب في إخراج الشركات الأجنبية العاملة في صناعات مهمة حتى من بلادها الأم. لكن الطلب المحلي لن يكون كافياً للإبقاء على صناعات تضخمت بفضل الدعم الحكومي؛ مما يزيد من العبء على كاهل الحكومة الصينية التي لن تستطيع مواصلة النفاذ لأسواق العالم، وسوف تجد الصين صعوبة في الإبقاء على نشاط تلك المصانع كلها؛ وهو ما سيتسبب في أضرار كبيرة على البنوك الصينية بسبب الشركات شبه الميتة والقروض المعدومة.
يجب أن يدفع كل ذلك الرئيس الصيني إلى إبرام اتفاق في الأرجنتين يعيد بمقتضاه التفكير في حملة «صنع في الصين 2025»، وفي غيرها من السياسات الصناعية. فذلك لن يخفف من حدة التوتر مع الولايات المتحدة وغيرها من الشركاء التجاريين، ويترك الأسواق المهمة مفتوحة أمام المنتجات الصينية فحسب، بل سيساعد على زيادة الإبداع داخل السوق الصينية نفسها.
فالقطاع الخاص الحيوي في الصين قادر على تطوير نفسه بنفسه وبدرجة كبيرة؛ إذ إن إغراق الصناعات بالائتمان الرخيص والدعم الحكومي سيساعد الوافدين الضعاف على الوقوف على أقدامهم؛ مما يحد من قدرات المؤسسات المنافسة الحقيقية التي تستطيع النجاح والصمود على المسرح العالمي. ولذلك؛ على الرئيس الصيني أن يسترضي ترمب الآن، وربما يشكره لاحقاً.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»