لم أشعر برمضان ولياليه وحلاوته مثلما شعرت به في طفولتي، وتحديدا في منطقة الجعيفر في بغداد، وهي منطقة كرخية شعبية جميلة تقع قرب ساحة حماد شهاب.
فترة ما بعد الظهر تبدأ روائح الأطعمة تفوح من بيوت الجيران وبيتنا، وقبل الفطور يبدأ تبادل صحون الطعام بين الجيران.. كانت والدتي تطبخ كل يوم أكلة خاصة، وبقدر كبير، من أجل توزيع بعضه على الجيران.. كنت لا أصوم في طفولتي، وكنت أغار بسبب تدليل والدتي لأخواتي الصغيرات، كونهن صائمات، فتعمل لهن أكلات خاصة، وتشتري لهن حلويات وعصائر خاصة. ومن أجل أن أنال تدليل والدتي كنت أقول لها إنني صائم، فتقوم بتدليلي، رغم أنني كنت أشرب الماء بسرية، وآكل البسكويت في المدرسة.. كان بيتنا الوحيد في «الدربونة»، أي الزقاق، الذي فيه جهاز تلفزيون، وهو نوع «فيليبس»، غلافه خشبي اشتراه زوج أختي بـ30 دينارا، لذا كان بعض جيراننا يجلبون معهم المعجنات والمكرزات، ويأتون ليشربوا الشاي في بيتنا، ونشاهد التلفزيون معا. وكنا نشاهد مسلسلات مصرية شهيرة، مثل «الضحية»، و«بنت الحتة»، وأعمالا عراقية، مثل «تحت موس الحلاق»، ومسلسلات لخليل الرفاعي وخليل النعيمي.. وحين يأتي وقت السحور تكون «الدربونة» كلها «صاحية»، وتشم روائح الأكل من كل البيوت، وتجري مبادلة أطباق الأطعمة بين البيوت، كأنه نهار، وليس بعد منتصف الليل.. اليوم كل شيء تغير؛ لم يعد الجار يفكر بجاره، ولم تعد عادة تبادل الأطعمة موجودة.
في الأسبوع الأخير من رمضان تأخذني والدتي إلى شارع النهر لتشتري لي ملابس العيد، غالبا ما تكون حذاء وبنطلونا وقميصا، وكنت أضعها قرب وسادتي، أحلم بيوم العيد لألبسها، وما إن أسمع صلاة العيد من الجامع، حتى أرتدي ملابس العيد وأنتظر الصباح لأذهب إلى سينما زبيدة القريبة، التي أُزيلت حاليا، وكانت بالضبط مقابل مستشفى الكرامة.
أيام جميلة وذكريات لا تنسى.
* ناقد ومؤرخ سينمائي
8:9 دقيقه
TT
رمضان.. وليالي الجعيفر
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
