مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

عيدكم مبارك

بما أننا في يوم العيد، فقد اختلف البعض في تسميته، فهناك من يسميه بعيد الأضحى، أو الكبير، أو النحر، بل إن بعضهم يسمونه بعيد اللحم، لكن ما علينا تعددت الأسماء والعيد واحد.
وقبل أن نتكلم عن اليوم دعونا أن نعود القهقري لزمان مضى، فنحمد الله على معطيات الحضارة التي أراحتنا، ولكي نحس بذلك لا بد من تسليط ضوء (فلاش) سريع، على المعاناة التي ذكرها حاج عثماني اسمه «سليمان أوغلو» عام 1890، وهو يقول باختصار:
في أول يوم العيد نحر الحجاج الأضاحي، وبعد رمي الجمرات تحللوا من الإحرام وارتدوا ملابسهم العادية، وذهبوا يهنئون بعضهم بعضاً.
غير أن لحوم الأضاحي ومخلفاتها بين الخيام، مع حرارة الشمس وتوقف الهواء، أحدثت تعفناً رهيباً وجلبت المزيد من الذباب والحشرات والقوارض، والقطط والكلاب، وكذلك النسور.
وفي تمام الساعة السادسة مساء الليلة الثانية للعيد وصلتنا أخبار بأن وباء الكوليرا قد انتشر، فتم الإعلان على الحجاج وعلى القوافل الرسمية بضرورة مغادرتهم إلى مكة في الصباح.
وفي تلك الليلة لم نتمكن من النوم في منى من شدّة التعفن المنتشر هناك، حتى أن البخور الذي أوقدناه في الخيام لم يغير من الأمر شيئاً.
وانطلقنا في طريق ضيقة بجحافل من البشر والجمال والخيول، ومن يقع فهو لا شك هالك لا محالة، وأثناء تدافعنا سمعت صراخ امرأة هندية، بالطبع ليس هناك إمكانية لنجدتها، وفي لحظات أصبحت المسكينة تحت الأقدام.
أما من تساقطوا في العراء وماتوا من «الكوليرا»، وأصبحوا جثثاً منتفخة متعفّنة، فكانوا بالآلاف.
لا أريد أن أطيل عليكم في هذه الصور المؤلمة، ودعونا ننتقل إلى صورة أخرى أكثر إشراقاً:
فهناك تقليد قديم اشتهرت به نساء مكة المكرمة – وهو الآن انقرض -، وكانوا يسمونه أيام «الخليف»، وذلك عندما يخلو لهن الجو بعد أن يذهب الغالبية العظمى من الرجال للحج، ويبقى الصمت في أرجاء مكة.
وما أن يرخي الليل سدوله حتى يخرجن متنكرات في أزياء مختلفة يتفنن في إظهار أجمل الأصوات وأحسن الإيقاع، في تنافس شديد بين كل حارة وأخرى لجذب أكبر عدد ممكن من المشاهدات.
ومن تخلف من الرجال يهزجن على رأسه قائلات:
يا قيسنا يا قيس - الناس حجوا - وأنت قاعد ليش
الليلة نفرة - قوم اذبحلك تيس
قوم روح لبيتك - قوم اخبز لك عيش
ومن يسمع ذلك ولا يولّي الأدبار هارباً، قد لا يسلم من «الفرش» – أي الضرب -، وليس هناك لا أقسى ولا أروع من ضرب النسوان.