د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

التقنية في استثمارات الصندوق السعودي

ما أن انتشر خبر شراء صندوق الاستثمارات العامة السعودي لحصة من شركة «تيسلا» الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية، حتى ارتفع سعر سهم الشركة بما يقارب 11 في المائة يوم الثلاثاء الماضي، وشكلت الحصة التي اشتراها الصندوق السيادي السعودي ما نسبته 5 في المائة من الشركة الأميركية، بمبلغ يتراوح بين مليارين وثلاثة مليارات دولار، وبهذه الصفقة أصبح صندوق الاستثمارات السعودي أحد أكبر المستثمرين في شركة «تيسلا». وفي حين ارتبط اسم الصندوق السعودي بخصخصة شركة «تيسلا»، والتي أعلن عنها مؤسس الشركة «إيلون ماسك»، فإن هذه الأخبار نفيت من الصندوق السعودي.
وتتمثل أهمية هذه الصفقة في عدة نقاط، أولها أن شركة «تيسلا» هي إحدى أكبر الشركات التقنية في العالم على مستوى القيمة ومستوى المستقبل التقني، حيث تعد الشركة الأكبر والأشهر في مجال صناعة السيارات الكهربائية. وعلى الرغم من حداثة «تيسلا» نسبيا مقارنة بكبريات الشركات المصنعة للسيارات، فإنها تتفوق على الكثير منها في القيمة السوقية، والحديث هنا عن شركات ضخمة مثل «فورد» و«جنرال موتورز» والتي تزيد أعمارها على مائة عام. إضافة إلى ذلك، فإن لشراء حصة من أكبر شركة مصنعة للسيارات الكهربائية في العالم أهمية استراتيجية للسعودية. حيث يراهن الكثير على نجاح السيارات الكهربائية ضد السيارات التقليدية الحالية، آملين أن يقلل هذا النجاح من الاعتماد على النفط، وشراء السعودية لحصة من «تيسلا» يعني أن المملكة رابحة في جميع الحالات.
وتزيد ثقة المستثمرين في شركة «تيسلا» خاصة بعد أن لمح رئيسها ألون ماسك أنه قد يتجه لخصخصة الشركة لإبعادها عن الضغوط الحالية من «وول ستريت»، والتي قد تسبب في تحويل أهداف الشركة من أهداف طويلة المدى إلى قصيرة المدى، وهو ما لا يراه مناسبا للشركة خاصة بعد 8 سنوات من نجاح إدراجها كشركة مساهمة.
والمراقب لاستثمارات الصندوق السعودي يرى تسلسلا لهذه الاستثمارات والتي يتسم أغلبها بالصبغة التقنية بشكل أو بآخر، ويشكل «صندوق الرؤية التقني» المشترك مع «سوفت بانك» الياباني أكبر استثمار سعودي في المجال التقني بقيمة تقارب 45 مليار دولار، ويستثمر «صندوق الرؤية التقني» للمملكة بشكل غير مباشر في الشركات التقنية الناشئة. أما بالنسبة للاستثمارات المباشرة لصندوق الاستثمارات العامة، فقد سبق للصندوق شراء 5 في المائة من شركة أوبر بقيمة تبلغ 3.5 مليار دولار، واشترى حليفه «سوفت بانك» نسبة 17 في المائة من الشركة ذاتها بقيمة 9 مليارات دولار. كما يمتلك الصندوق السعودي 20 في المائة من الشركة الأميركية التقنية الناشئة «ماجيك ليب» بما تبلغ قيمته 400 مليون دولار. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلنت شركة «فيرجن غالاغتيك» عن استثمار سعودي بقيمة مليار دولار في الشركة المصنعة للمركبات الفضائية. وجاءت صفقة شركة «تيسلا» استمرارا للاستثمارات السعودية في وادي السيلكون. ويشير هذا التسلسل إلى توقع المزيد من هذه الاستثمارات، خاصة بعد زيارة ولي العهد السعودي للولايات المتحدة ولوادي السيلكون تحديداً في مارس (آذار) الماضي، والتقائه بكبريات الشركات هناك مثل «غوغل» و«آبل» و«أمازون» وغيرها.
تطمح الرؤية السعودية في العديد من برامجها إلى تنويع مصادر الدخل للمملكة، كما أنها أقرت الاستثمار في الاقتصاد المعرفي وفي تطوير العلوم والتقنيات ونقلها وتوطينها. وتتضح هذه النقاط بشكل جلي في استثمارات صندوق الاستثمارات السعودي، حيث بدأ الصندوق في تغيير مسار استثماراته من داخل المملكة إلى خارجها. ويتوقع المحللون أن الصندوق يهدف إلى أن تصبح نصف استثماراته داخل المملكة والنصف الآخر خارجها، وفي هذه الخطوة زيادة لتكامل الاقتصاد السعودي واستقراره بارتباطه بشكل أكبر مع الاقتصاد العالمي، ومضيفاً بذلك قيمة أكبر للاقتصاد السعودي.
وبحسب المخطط له، فإن المفترض أن تصل أصول صندوق الاستثمارات إلى 400 مليار دولار بحلول عام 2020. وتتشابه رؤية المملكة مع استثمارات الصندوق في توجهها التقني، فالتشابه بين مشروع «نيوم» الطموح مع استثمارات الصندوق لا تخفى على أحد، ولا شك أن هذه الاستثمارات ستأتي أكلها مستقبلاً في مدينة «نيوم».