طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

مهرجان باريس والصورة الأخرى!

هل تجد متعة استثنائية وأنت تتجول في نفس المكان الذي قضيت به زمنا قبل أعوام بعيدة، هل يشغلك كثيرا تغير ملامح الشارع، أم تغير ملامحك أنت، أم أنها أشياء أخرى؟
أتصور عزيزي القارئ أنها حقا تلك الصورة الأخرى، التي يمتزج فيها الإحساس بين الغبطة والغصة.
أكتب تلك الكلمات من باريس حيث اسدل الستار قبل اقل من 48 ساعة، عن فعاليات مهرجان السينما العربية الذي يقيمه معهد العالم العربي، بعد 12 عاماً من الغياب.
حضرت أول دورة عام 92، تقريباً افتتح في نفس توقيت هذه الدورة، مرت 27 عاماً لم ألمح في الحقيقة جديداً، سوى في غياب عدد من الشخصيات كانوا اقرب إلى رسم ملامح من لحم ودم لبورتريه المهرجان، شاهدت عدداً من الشخصيات الفاعلة والتي كانت موجودة مع انطلاق الدورة الاولى، مثلا من بين فريق العمل الباحثة السينمائية ليان شواف، التي كانت واحدة من أهم فريق عمل المهرجان مع لحظة بزوغه، صارت هي التي تتحمل المسؤولية الآن، خلفاً للباحثة الصديقة د. ماجدة واصف.
أول من تذكرتهم بمعهد العالم العربي، وجوه مثل محمد خان وأحمد زكي وفاتن حمامة ومحمود عبد العزيز ونور الشريف وغيرهم، شكلوا في الحقيقة وجدان المهرجان قبل ملامحه، عدد من نقاد السينما العرب الراحلين، كان وجودهم وكأنه يحمل شرعية للمهرجان.
المعهد لم يتغير ببنائه الحديدي الذي يكسوه الزجاج من كل جانب، يافطات باللغة العربية تحاول أن تدافع عن الهوية، صور تذكرنا بمذابح صابرا وشتيلا، تصعد على السطح أسئلة عن التوجه السياسي، وتأثيره على البوصلة الفنية، هل هو يعبر مباشرة عن رأي الدولة الفرنسية، أم هو رأي القائمين على المعهد؟
ربما تجد في التعامل مع السينما السورية بداية خيط الإجابة، رفض المعهد أكثر من فيلم من إنتاج مؤسسة السينما السورية الرسمية، لا تعلن عادة أسباب الرفض، وتلك قاعدة عالمية، تفسيري الشخصي أن أفلام الدولة تعبر بالضرورة عن نظام بشار الأسد، ولهذا فهي غير مرحب بها، ناهيك أن مزج السياسي بالفني يؤدي إلى تراجع الشاشة.
المهرجانات العربية بالمناسبة لن تحدد موقفاً واحداً، هناك من يقف إلى جانب المؤسسة الرسمية، مهما غلبت عليها روح (البروباغندا) لنظام بشار.
معهد العالم العربي ليس بناء فقط، ولكنه قبل ذلك فكر، هناك انحياز مطلق لحرية الشعوب، ولا يزال معهد العالم العربي كمبنى وليس فقط معنى يملك سحراً خاصاً في توجهه السياسي المدافع دوماً عن الحرية، العروض في نفس الدار طابقين تحت الأرض، تضاءل كثيرا عدد الضيوف، المطبوعات قليلة وفي أغلبها غير مترجمة، لا أقول فقط للعربية ولكن حتى الإنجليزية، لا توجد حقيبة عليها شعار المهرجان ، ولا أظنه هبوط في معدلات الاهتمام بالشأن العربي الذي فرض نفسه سياسيا و سينمائيا على كل الشاشات ولكن تراجع الميزانية أدى بالضرورة لتقلص الفعاليات.
كانت الطائرة التي تنقلنا عادة لباريس في مثل هذه الأيام تشعرنا انه لم يبق أحد في القاهرة ،هذه المرة صار من النادر أن تجد من وجهت له دعوة المهرجان.
يحيط المشهد قدر من الضبابية و شيء من السلبية ، إلا إنني على المستوي العام أرى أن عودة انطلاق مهرجان السينما العربية من باريس، منطقية بل وحتمية وأظنه عاد ليتنفس ويتجدد.
ويبقي الجانب الشخصي الذي أعاد لي ذكري شخصيات شكلوا بحضورهم في الماضي الحياة ، وبقاءهم في الذاكرة أكد أن الحياة لها دائما صورة أخرى.