علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

حكاية أسترالية

اليوم أنا رجل متقاعد وليس لدي الاستطاعة بأن أُخبِركم حكاية جادة فاسمحوا لي أعزائي القراء بأن أحكي لكم حكاية من ذكرياتي: عرفتُ أن اللغة الإنجليزية لغة مهمة أو لغة العصر، فأردتُ أن يكتسب أبنائي هذه المهارة... فما العمل؟ أرسلت إلى بريطانيا ابنَيّ سلمان وعبد الملك، أو عبد الملك وسلمان، حتى لا يكون في نَفْس أيٍّ منهما حرج، كما يحدث في ملاعب الكرة؛ فتقديم اسم أي نادٍ على الآخر سيجعل أنصار الفريق الآخر يحتجون... ذهبا على تردد كبير، ومما سهَّل أمورهما، أو على الأقل أراحهما كثيراً، أن صديقي زيد بن كمي كان في بريطانيا يحضِّر الماجستير، المهم، ذهبا وعادا، وهذه ليست الحكاية.
في السنة التالية قررت أن أبعثهما إلى دولة أخرى لسببين: الأول أن يتعرفا على العالم الآخر، والثاني أن يماريا بين أقرانهما بأنهما تحت السن القانونية وذهبا إلى أكثر من دولة بالعالم، وهذا لم يكن هدفي كأب. المهم، في السنة الثانية ذهبتُ معهما إلى أستراليا ووصلنا إلى ملبورن، ومكثنا نحو أسبوع هناك، بالطبع كنت أسكن في فندق مع ابنيّ سلمان وعبد الملك. في اليوم الرابع أو الخامس تقريباً، وبعد أن عُدنا من رحلتنا السياحية نام ابناي. لم أستطع أن أخلد إلى النوم مباشرة، فقررتُ أن أخرج من الغرفة وأترك ابنيّ نائمَيْن لأرى ما كان خارجاً، وأتمتع برياضة المشي، وحينما كنتُ خارج الفندق رأيتُ شابّاً يرمقني، رأيتُ في هذا الشاب ملامح أوسطية، ولم أستطع الحديث معه، ولكنه بادرني بالحديث فقال لي: أنت عربي؟ فقلت: نعم، وإذا به واحد من أبناء جنسيتي، أي سعودي. تبادلنا أطراف الحديث ثم قال لي: إلى أين أنت ذاهب يا عم؟! قلت: سأصعد إلى غرفتي لأنام مع ابنيّ... ضحك ثم قال: ما عن هذا أسالك... إلى أين أنت ذاهب غداً؟ فقلت له: ذاهب مع ابنيّ إلى وسط البلد، فقال لي: أنا مع زوجتي وابني الرضيع لماذا لا نصحبكم بسيارتي الخاصة ونذهب معاً؟ فكرت في الأمر وشكرته، وكرجل كبير في السن فكرتُ؛ فلدي ابنان شابان وهو شاب أيضاً ولديه رضيع، واعتذرتُ منه على الفور، وقلتُ: لا أستطيع أن أعطيك وعداً لأنني مرتبط بابنيَّ، المهم، في الصباح الباكر استيقظنا وذهبنا إلى وسط البلد وكنا مضطرين إلى أن نركب وسيلة مواصلات، فقررنا أن نستخدم القطار؛ نحن ثلاث أفراد كلَّفَنا القطار 21 دولاراً أستراليّاً وكانت صلاحية التذكرة لمدة يوم، ذهبنا واستمتعنا وكانا ابناي راغبين في التوجه إلى مركز المدينة، حيث تنقصهما بعض الأشياء، مثل سماعة «آيفون» وغير ذلك، هي كانت أشياء جانبية بالنسبة لي، ولكن أساسية بالنسبة لهم.
ذهبنا إلى وسط البلد وبدأ ولداي يتسوقان، لم أكن متحمساً للدخول معهما لأي محل يدخلانه، ولكن في أحد المحلات رأيتهما يضحكان مع البائع ضحكاً مبالغاً فيه، كنتُ أراقبهما من خلف الزجاج، حينما خرجوا إليَّ قلتُ لهم: ما الذي يضحككما مع هذا البائع؟! فقال سلمان إنه يقول: «أنا عربي من اليمن، ولا أعرف إلا كلمتين بالعربي: القلم والخنجر»، وهذا ما دعانا إلى الضحك، ضحكتُ ودخلت لأحيي الفتى اليمني. المهم، عُدنا إلى الفندق، وفي المساء نزلت لأتريَّض، وكنا ننام مبكراً، فقابلتُ ذلك الشاب السعودي، سألني بأسلوب مهذب: كيف كانت رحلتكم يا عم؟ فقلت له: كانت رائعة! قال: كيف ذهبتم؟ قلت: استقللنا القطار مع ابنيّ وقد كلَّفنا ذلك 21 دولاراً أسترالياً في الذهاب والإياب.
أبدى الشاب دهشته، وكان مبتعثاً سعوديّاً، فقال: لقد كلفتني الرحلة 46 دولاراً أستراليّاً، فقلت: كيف كان ذلك؟ قال ذهبتُ إلى مركز البلد فدفعت ثمن المواقف لمدة ست ساعات، هذا غير تكلفة الوقود، ولو عرفت لذهبت بالقطار وعدتُ به لأوفِّر المبلغ المتبقي.. لو كنّا في الرياض أو القاهرة أو غيرهما من العواصم العربية نستخدم المواصلات العامة ألم نكن سنخفف الزحام ونوفر على أنفسنا مبالغ مالية عالية؟ متى استخدمنا الوقوف الزمني مقابل المادي؟ ولكنّا خففنا التلوث البيئي الطاغي في عواصمنا نتيجة استخدام سياراتنا الخاصة؟! لا أعرف إذا كان الموضوع اقتصادياً أم سرداً لحكاية خاصة.