ليونيد بيرشيدسكي
TT

أوروبا تفرض قواعد جديدة للخصوصية

دخل قانون حماية البيانات العامة لدى الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ مؤخراً. وكان من الواضح دائماً أن هناك عدداً كبيراً من الشركات لن تمتثل إلا بأكثر الطرق روتينية، وعلى الأقل في أثناء فترة اختبار القانون. ولكن من المتوقع للشركات التقنية العملاقة، والتي تلقى التدقيق والمراجعة المؤكدة، أن تُظهر قدراً أقل بكثير من الحماس والتفاعل. بدلاً من ذلك، فإن هذه الشركات تأمل في أن تفلت من تطبيق هذا القانون وأن المحامين سوف يتولون الاعتناء بأي شكاوى تُثار في هذا الصدد.
لا يملك أغلب المستهلكين الوقت الكافي أو الخبرة المطلوبة للشكوى من الامتثال الزائف للقانون الأوروبي لحماية البيانات العامة. أما المحامي النمساوي ماكس شريمز، الذي يشن حملة شعواء بشأن الخصوصية على شركة «فيسبوك» منذ عام 2011، فيقوم بذلك فعلاً. ومجموعته غير الهادفة للربح تحت اسم «خصوصيتنا ليست من شأنك»، قد رفعت العديد من الشكاوى لدى الجهات الرقابية المعنية بالخصوصية ضد شركات «غوغل»، و«فيسبوك»، و«إنستغرام»، و«واتساب». ولقد واتت السيد شريمز فكرة جيدة عن الزوايا التي تحاول هذه الشركات الالتفاف حولها، عندما يتعلق الأمر بالقانون الأوروبي لحماية البيانات العامة.
ويزعم أحد مستخدمي «فيسبوك»، الذي تمثله مجموعة «خصوصيتنا ليست من شأنك» الحقوقية، في شكواه أمام السلطات النمساوية أن الشبكة الاجتماعية تطالب بالموافقة على سياسة الخصوصية لديها بالكامل، وتضع خيار حذف الحساب بديلاً في حالة الرفض. وسياسة الخصوصية تلك، في الأثناء ذاتها، تمكّن الشركة من جمع كل ما يمكن جمعه من بيانات عن المستخدم، بما في ذلك معلومات حول الآراء السياسية والدينية. وهي تُلزم المستخدم بقبول جمع البيانات للأغراض الإعلانية، كما لو أنه أمر ضروري لاستخدام خدمة «فيسبوك»، وهو جزء من العقد المقدم من قبل الشركة، على الرغم من أن معظم المستخدمين، لا سيما المستخدمين منذ فترة طويلة من الذين انضموا قبل أن تتحول شركة «فيسبوك» إلى التربح المادي، سوف يفاجأون إن علموا بصورة مباشرة أن الإعلانات المخصصة وفقاً للبيانات الشخصية هي جزء لا يتجزأ من العقد.
وتقول الشكوى المرفوعة: «الموافقة لا يمكن أن تكون أساساً مشروعاً للمقاضاة إن كانت البيانات الحقيقية قد حصلت على حق واقعي ومقبول من تقبل أو رفض شروط وأحكام الخدمة، أو رفض قبول هذه الشروط والأحكام من دون وقوع ضرر في المقابل». وهذا يلخص بكل دقة المتطلبات الأساسية في القانون الأوروبي لحماية البيانات العامة. وباعتباري من الأشخاص الذين بحثوا دونما جدوى عن طرق لرفض القواعد الجديدة المعمول بها في شركة «فيسبوك»، فلا بد أن أتفق مع السيد شريمز في أن الشركة فشلت في الوفاء بها. وموافقتي على شروط الخدمة غير ممنوحة بصفة منصفة: فلقد أخبروني أنه يتوجب عليَّ إلغاء حسابي إنْ رفضتُ الموافقة على أي شيء في وثيقة الخصوصية لديهم.
وتم تقديم شكوى «غوغل» في فرنسا بالنيابة عن أحد المستخدمين الذي لم يتمكن من تشغيل هاتف أندرويد جديد، من دون الموافقة الكاملة على شروط خدمة «غوغل» الجديدة، والتي تقضي بجمع مختلف أنواع البيانات مهما حدث. وتقول الشكوى إن شركة «غوغل» تعتمد على الموافقة المجمعة الشاملة على أي شيء وارد في سياسة الخصوصية بالنسبة إلى الهواتف العاملة بنظام أندرويد، والتي تشمل العديد من المنتجات الأخرى. وهذا من شأنه أن يجعل الموافقة غير صالحة، حيث إن الموافقة لن تكون محددة بأي حال من الأحوال، وإنما تعتمد على سياسة قبول «كل شيء» أو «لا شيء».
ورُفعت شكاوى «إنستغرام» و«واتساب» في بلجيكا وألمانيا، وهي تشبه شكوى «فيسبوك» تقريباً: فإن المقاربة العامة للشبكة الاجتماعية للامتثال لقانون حماية البيانات العامة الأوروبي لا تختلف عن الشركات المملوكة لشركة «فيسبوك».
على موقع مجموعة «خصوصيتنا ليست من شأنك» الحقوقية، أدرج السيد شريمز أقصى العقوبات المتوقعة لانتهاك قواعد الخصوصية؛ وهي مقدَّرة ببلايين اليوروات، وهي تبدو جميلة في عناوين الأخبار. ولكن سوف تكون هناك معارك قضائية مطولة قبل تغريم «فيسبوك» و«غوغل» أي شيء. ولسوف تنتقل القضايا من هيئات مراقبة الخصوصية إلى المحاكم. وسوف يحشد السيد شريمز التبرعات من أجل المصاريف، بضعة يوروات في كل مرة، كما فعل ذلك من قبل. ومن شأن عمالقة الإنترنت أن تنفق ملايين الدولارات على الدفاع الهادف إلى إنهاكه وإسقاط القضايا. وقد يستغرق الأمر سنوات.
وربما في يوم من الأيام تقرر محكمة من المحاكم أن موافقتنا على شروط الخدمة لم تأتِ من منطلق حر ومنصف. وسوف تسدد الغرامات، وتتم صياغة نماذج جديدة للموافقة ترضي المستخدمين.
وليس الأمر ببعيد عن القدرات الهندسية لكل من «فيسبوك» و«غوغل» من تزويد المستخدمين بقائمة مراجعة بسيطة للغاية حتى يتمكنوا من اختيار ما يفضلون أو لا يفضلون الموافقة عليه. ولقد قرروا بدلاً من ذلك استغلال الفرص من خلال الإجراءات القانونية.
وهذه ليست بالسياسة التي تحملنا على الثقة. كما أنها قصيرة النظر للغاية. فلقد قررت دولة بابوا نيو غينيا، التي يبلغ عدد سكانها 8 ملايين نسمة وتقع بالقرب من أستراليا، إغلاق موقع «فيسبوك» تماماً لمدة شهر كامل، لمنح البلاد الوقت الكافي لإزالة الحسابات الوهمية والقضاء على المحتوى غير القانوني. ولم يتم نشر مثل هذه الإجراءات الصارمة في أوروبا بعد، ولكن حالة الازدراء المفتوحة حيال القواعد الجديدة يمكن أن تسفر بكل بساطة عن التصعيد من جانب الجهات الرقابية. ولقد خلصت شركة «أوبر» إلى تلك الحقيقة بالطريقة العسيرة في أوروبا؛ ونتيجة لذلك، ربما لن تتمكن الشركة من بناء هذا النوع من الوجود هنا كما فعلت في الولايات المتحدة. بل قد يكون الأمر أسوأ بكثير بالنسبة إلى «فيسبوك» و«غوغل»، اللتين أنشأتا قوة شبه احتكارية في أوروبا: فقدان الإيرادات بسبب التنظيمات الرقابية المعاكسة هو أكثر إيلاماً من عدم القدرة على زيادة الإيرادات بالطرق الطبيعية.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»