فاي فلام
TT

كيف ينجرف العلماء للفساد بتحريف النتائج

هناك نوع من المديرين والمشرفين المروعين الذين بإمكانهم إفساد أي عمل يشرفون عليه. وفي العلم فإنهم يستخدمون نفوذهم قوةً شديدة التدمير.
ففي دراسة حديثة أجرتها مجلة «نيتشر» العلمية، أفاد عدد من العلماء الشباب بأنهم شعروا بضغوط لدفعهم للإدعاء بالتوصل إلى «نتائج محددة» من شأنها جلب السعادة لرؤسائهم على غير الحقيقة. تلك هي مشكلة المجتمع بصفة عامة، مشكلة إفساد سلامة البحث الذي ندعمه جميعاً.
الأسبوع الماضي، توجهت المجلة بأسئلة لعدد من الخبراء بشأن المشكلات التي تعترضهم. وركزت الإجابات على أن أكثر ما يفسد سلامة البحث في الوقت الحالي، هو تنامي القوى المسيطرة على الباحثين. فالعديد من الشباب يتدربون ليصبحوا علماء، لكن قلة قليلة من الحاصلين على درجة الدكتوراه تنجح في الحصول على الوظائف التي يرغبونها، تحديداً الوظائف الأكاديمية. ومن ينجح منهم في الحصول على وظيفة أكاديمية يتعين عليه قضاء سنوات طويلة في زمالة ما بعد الدكتوراه ضعيفة الأجر وغير آمنة، تلك هي بالأحرى نوع من العمالة الرخيصة ذات التكلفة الخفية.
وفي السياق ذاته، قال سي كي غانسولس، رئيس المركز الوطني لمبادئ البحث العلمي، إنه في الأوضاع النموذجية، يجب أن ينتقي الناس رؤساءهم وزملاءهم استناداً إلى الشخصية. لكن الواقع يقول إنه من غير الوارد أن تنتقي مديرك في مجالات تشعر فيها بأنك محظوظ، لأنك وجدت وظيفة بهذا المكان.
باتت سلامة البحث العلمي قضية عامة في تسعينيات القرن الماضي، نتيجة لشيوع بعض الحالات الدراماتيكية التي كان من ضحاياها باحثون مشهورون. لكن الخبراء أفادوا بأنه رغم اكتشافهم أن الإعلام لم يركز سوى على جانب سيئ واحد وهو رؤساء العمل، فإن غالبية الحالات تضمنت باحثين اقتطعوا أجزاء مهمة من أبحاثهم أو حرفوا نتائجها طواعية.
وكشف البحث الذي أجرته مجلة «نيتشر» والذي اشتمل على أكثر من 3200 عالم، عن نسبة كبيرة تعرضت لمشكلات للسبب نفسه. فبين كل خمسة باحثين، أفاد باحث واحد بأن بيئة العمل كانت إما «ضاغطة» أو «سامة»، أو «مثيرة للأعصاب».
وأفاد أكثر من النصف من شملتهم الدراسة بأنهم تعرضوا لضغوط للحصول على «نتيجة محددة» على غير الحقيقة. ولدى سؤال الرؤساء، أو المشرفين، كما يشار إليهم دائماً، نفس السؤال، جاءت ردودهم إيجابية بشأن مهاراتهم القيادية القوية، ونادراً ما تعرضوا لجهود العاملين تحت إشرافهم.
وأفاد الباحثون في المناصب غير العليا بأن المهام المتوقعة منهم كانت في الغالب غير واضحة، وأنهم افتقدوا إلى التواصل مع رؤسائهم، وأنهم أجبروا على اختصار الطريق.
وكشف غنزسلس، خبير سلامة الأبحاث بجامعة أليونز، والذي شارك في دراسة مجلة «نيتشر» أن هناك بعض الحالات التي تضمنت أسماء أشخاص لم يشاركوا في الأبحاث التي وضعوا أسماءهم عليها. وفي حالات أخرى تعين على عاملين شابين الخروج من فريق البحث المعملي، بعدما لم يصلا بنتائجهما إلى النتيجة التي حددها مشرف البحث سلفاً.
ولذلك فقد خلصت الدارسة إلى أن النفوذ غير المحدود في العلم قد يؤدي إلى الظلم، وأن السبب في ذلك يرجع إلى انعدام التدريب للمشرفين وقيادات البحث العلمي، الذين يتولون الإشراف على الباحثين الصغار. والأسوأ هو أنه في الدوائر العلمية، بات الناس يتشككون في كل من يتطلع إلى منصب قيادي، حتى وإن كان يتمتع بموهبة في الإدارة.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»