والتر بينكوس
TT

الطموحات النووية للبنتاغون وموقف الكونغرس

يسرد مسؤولون بالبنتاغون قصصاً طويلة بعض الشيء عن سعيهم وراء الحصول على دعم من الكونغرس، من أجل برنامج جديد لإنتاج رؤوس حربية نووية جديدة منخفضة القوة، من أجل تركيبها على صواريخ باليستية طويلة المدى تطلق من على متن غواصات.
من ناحيته، قدم الجنرال جون إي. هيتن، قائد القيادة الاستراتيجية الأميركية، حجة غريبة من نوعها لتبرير هذه الرغبة من جانب البنتاغون، وذلك لدى إدلائه بشهادته في 20 مارس (آذار) الماضي أمام لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ.
وتمثل الغرض المعلن من وراء هذا السلاح الجديد في ردع الروس عن استخدام أي من أسلحتهم النووية منخفضة القوة، الأمر الذي غالباً ما هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بفعله إذا ما وجد نفسه في مواجهة قوة تقليدية كاسحة خاصة بحلف «الناتو»، وذلك داخل أوروبا الغربية، حسبما هو مفترض.
جدير بالذكر أن الولايات المتحدة وحلفاءها في «الناتو» تمتلك بالفعل قرابة 200 قنبلة نووية منخفضة القوة جرى نشرها بالفعل في أوروبا. إلا أن هيتن ومسؤولين آخرين بالبنتاغون يقولون إن ثمة حاجة لأسلحة إضافية لردع إقدام بوتين على المبادرة باستخدام أسلحة نووية تكتيكية، لأن الطائرات التي ستحمل القنابل الخاصة بنا، رغم كونها طائرات تعتمد تقنية التخفي، فإنها ربما لا تنجح في اختراق الدفاعات الروسية.
وهنا، يظهر دور السلاح النووي الجديد الذي من المفترض إطلاقه من على متن غواصات. وتبعاً للعرض الذي قدمه هيتن، فإنه إذا ما بادر الروس باستخدام أسلحة نووية تكتيكية في ميدان القتال، فإن الولايات المتحدة حينها ستطلق واحداً أو اثنين من أسلحة منخفضة القوة من على متن غواصات، ليس باتجاه ميدان القتال، حيث يمكن للسلاح تهديد حلفاء، وإنما نحو أهداف داخل روسيا.
وفيما يلي الجزء الأكثر إثارة للاهتمام: كيف سيعرف الروس أن الرؤوس الحربية التي تحملها الصواريخ القادمة إليها منخفضة القوة، وليست - مثلما الحال مع غالبية الرؤوس الحربية الموجودة في صواريخ باليستية تطلقها غواصات - أقوى 10 مرات عن القنابل التي أسقطت على هيروشيما وناغازاكي؟
تمثل الرد المبدئي لهيتن على هذا التساؤل في إخبار أعضاء مجلس الشيوخ أن ثمة 30 دقيقة تقريباً فاصلة بين لحظة إطلاق الصاروخ وتفجيره. وبعد ذلك شرح أنه: «إذا ما رصد شخص ما إطلاق الصاروخ بالفعل، سيرى أن هناك صاروخاً واحداً أو ربما صاروخين فقط قادمين. وسيدرك حينها الطرف الآخر أن هذا ليس تهديداً وجودياً لبلاده، وبالتالي لن يضطر إلى توجيه تهديد وجودي لبلادنا».
ومن خلال عبارة «تهديد وجودي» كان هيتن يعني بصورة أساسية ضربة عسكرية أولى شاملة باستخدام مئات الرؤوس الحربية الأميركية، مصممة لمحو قدرة روسيا على الرد، بل وربما البقاء كأمة.
باختصار، لمح هيتن إلى أن بوتين - أو خليفته - سينتظر 30 دقيقة حتى يضرب الصاروخ أو الصاروخان القادمان الأراضي الروسية ليقررا ما إذا كان يتعين عليه الاستجابة برد نووي كاسح على الهجوم الأميركي.
والتساؤل هنا: لماذا لمح هيتن إلى هذه الفكرة؟
وجاء الرد مثيراً للدهشة، ذلك أنه قال: «هذا ما كنت لأوصي به، لو أنني رأيت مثل هذا الصاروخ قادماً ضد الولايات المتحدة».
والسؤال: هل سبق لأي قائد للقيادة الاستراتيجية، أو أي مسؤول حكومي آخر رفيع المستوى، أن أعلن على الملأ أن الولايات المتحدة ستقف ساكنة أمام هجوم نووي حتى يصيبها فعلياً قبل أن تفكر في كيفية الرد؟
من جانبه، استطرد هيتن شارحاً أنه: «إذا ما اضطررنا للرد، نرغب في الرد بذات المستوى، وليس أن نسبب مزيداً من التفاقم للصراع بحيث يخرج عن دائرة السيطرة». ووصف الرأس الحربي الجديد بأنه «سلاح ردع أولاً، وسلاح رد ثانياً... للحيلولة دون تفاقم صراع ما نحو مستوى أسوأ. من شأن هذا السلاح الجديد خلق صعوبة أكبر أمام خصم ما أن يقدم على استخدام سلاح نووي في المقام الأول، وإذا فعل ذلك، فإنه يسمح لنا بالرد على نحو مناسب».
وأضاف هيتن: «يتمثل العنصر الرئيس في العامل العقلاني، ذلك أن العامل العقلاني يشكل أساس جميع سياسات الردع».
من جانبه، طرح وزير الدفاع جيمس ماتيس حجة أبسط لتطوير رأس حربي نووي جديد، وذلك خلال الشهادة التي أدلى بها في 9 مايو (أيار) أمام اللجنة الفرعية المعنية بالمخصصات الدفاعية في مجلس الشيوخ، ذلك أنه وصف السيناريو الذي استخدمه هيتن: روسيا، في مواجهة الهزيمة في إطار معركة تقليدية، «سوف تعمد إلى تصعيد الصراع باستخدامها سلاحاً نووياً منخفض القوة، وهي مدركة أن خيارنا سيكون... إما الاستجابة بسلاح نووي شديد القوة أو الاستسلام - بمعنى آخر، وبصراحة إما الانتحار أو الاستسلام، وذلك لأن تبادل الهجمات النووية بين روسيا والولايات المتحدة سيكون بمثابة كارثة على هذا الكوكب».
بيد أن الانتحار أو الاستسلام ليسا الخيارين الوحيدين، ولا بدّ أن ماتيس يعي هذا جيداً.
في نفس ذلك اليوم، 9 مايو، طرح النائب آدم سميث، العضو الديمقراطي البارز بلجنة الخدمات المسلحة، فهماً أكثر تقليدية بخصوص كيفية ردع التهديد الروسي باستخدام صاروخ نووي منخفض القوة. وجاء ذلك أثناء إقرار مشروع قانون السنة المالية الدفاعية الجديدة لعام 2019.
وقال سميث: «إننا لا نخلق هذه الفكرة المتعلقة بأن بمقدورنا تبادل إطلاق الأسلحة النووية، وأنه طالما أنها صغيرة الحجم فلا بأس في ذلك. لا هذا غير صحيح، سيكون هناك بأس في ذلك».
ولمح إلى أنه بدلاً عن ذلك، ينبغي أن يكون الرد على الروس في إطار: «إننا نملك ما يزيد على 4 آلاف سلاح نووي، وإذا ما أطلقت روسيا سلاحاً، سنرد بما نملكه. ولن نجلس هنا مكتوفي الأيدي ونشغل تفكيرنا بألا يأتي ردنا أكبر من هجومك إذا كنت أنت البادئ».
وأضاف سميث: «إذا ما بعثنا بهذه الرسالة، ستكون رادعاً كافياً للغاية».
وانتهى الحال بلجنة الخدمات المسلحة بإقرار تخصيص 65 مليون دولاراً لتطوير صاروخ جديد منخفض القوة وبعثت القرار إلى مجلس النواب لإجراء تصويت عليه. ومن المقرر عرض القرار على لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس النواب في 21 مايو، حيث من المحتمل أن يلقى معارضة أكبر - أو هكذا ينبغي أن يكون الحال.
*خدمة «واشنطن بوست»