محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

جينات الأنانية والإيثار

راج كتاب «الجين الأناني» في البلاد الغربية رواجاً كبيراً، عام 1976، لم يتوقعه مؤلفه العالم البريطاني ريتشارد دوكنز. وبحجم تلك الأصداء صاحبته انتقادات واسعة النطاق. فمن العلماء من يرون أن الأنانية لا يحملها جين محدد، بل هي نتاج مجموعة من السلوكيات وربما التجارب والمواقف.
وبصرف النظر عن آراء الناس حول الكتاب، يبقى ماثلاً أمام ناظرينا أن الإنسان يتصرف بأنانية وأحياناً بإيثار عجيب. لكن أصل أو منطلق تصرفاتنا شخصي بحت. فحينما نمد يد العون للآخرين فإننا إما نبتغي بها وجه الله تعالى أو قبولاً واستحساناً من الآخرين «يثلج صدورنا». إذن تقف «الأنا» بصورة أو بأخرى خلف سلوكياتنا. ولذا قال بعض العلماء العبارة الشهيرة صراحة: «لا إيثار في الطاعات»، فحينما يتقدم شخص للوقوف في الصف الأول لجماعة المصلين لا يتوقع منه أن «يُؤثر» غيره على نفسه. وكذلك أداء فريضة الحج عن متوفى (نافلة) يجب ألا تسبق فريضة الحج الأولى للمتطوع بأدائها عن عزيز فارق الحياة. وفي مواضع أخرى يعتبر الإيثار محموداً.
وفي عالم المال والأعمال، أذكر حينما كنت أتفاوض مع مسؤول أميركي قال لي بالحرف الواحد what’s in it for me أي ما هي منفعتي من ذلك كله؟ وكانت إجابتي حاضرة على الفور ببدائل عدة، أخفيت بعضها لاعتبارات النقاش وتكتيكاته. ولذا كان من أبجديات التفاوض مراعاة مبدأ المنفعة المتبادلة.
وحتى المرأة بكل ما أوتيت من دفء الحنان والإيثار، تبين أنها أيضاً تمارس شيئاً من الأنانية عندما وجد العلماء مجموعة منهن لا يتعاطفن مع «الشحاذين» وحينما يقتسمن قطعة من الشوكولاته فإنهن يأخذن النصيب الأكبر منها كما نشرت «ديلي ميل» ذات يوم.
وفي معترك السياسة لا تستطيع أن تطلق لـ«جينات الأنانية» العنان، فتتحكم بكل من حولك مهما أوتيت من قوة ودعم. سيأتي يوم وتجلس فيه إلى طاولة المفاوضات إذعاناً لمبدأ المصالح المشتركة win - win التي تسيّر علاقات البلدان. وهذا المبدأ فيه تنازل واضح.
المرء لديه خيار المضي في طريق الأنانية، لكنه سيشعر بالوحدة في منتصف الرحلة حينما يعامله الآخرون بالمثل. ولذا كان الإيثار من أرفع درجات السخاء والكرم لأنه يشيع البهجة في أنحاء العالم.