راميش بونورو
TT

أميركا: لغز التضخم الغائب

أين معدلات التضخم التي وعدنا بها؟ هذا هو التساؤل الذي طرحه عضوا مجلس الشيوخ إليزابيث وارين وشيرود براون على الخبير الاقتصادي مارفين غودفريند أثناء جلسة استماع محتدمة حول ترشيحه لعضوية مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي.
عام 2011، أعلن غودفريند أن معدلات التضخم ستزداد حدة، إلا أنها في حقيقة الأمر كانت منخفضة نسبياً منذ ذلك الحين.
من جانبه، أوضح الاحتياطي الفيدرالي أنه يرغب في ارتفاع مقياس للتضخم يطلق عليه «مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي» بمعدل 2 في المائة سنوياً. ومنذ أن بدأت حركة التعافي الاقتصادي، ظل هذا المؤشر دائماً تقريباً أدنى عن هذا الهدف.
ومع أن غودفريند كان من الأصوات المرتفعة على نحو خاص، فإنه لم يكن الوحيد الذي توقع معدلات تضخم أعلى عن تلك التي شهدناها. في الواقع، كثيراً ما أشار الاحتياطي الفيدرالي في توقعاته إلى أن التضخم سيصل قريباً لمستوى 2%، وظل باستمرار يبدل الموعد الذي من المتوقع حدوث ذلك فيه ويدفعه نحو المستقبل.
وتناولت الكثير من الأقلام «لغز التضخم الغائب»، خاصة أن معدلات البطالة منخفضة وكذلك معدلات الفائدة. كما أنه خلال السنوات الأولى من التعافي الاقتصادي، أجرى الاحتياطي الفيدرالي عمليات شراء واسعة للأصول للتخفيف من حدة أزمة الإقراض. ومع أن الكثير يربطون بين هذه العناصر وارتفاع التضخم، لم يتحقق التضخم على أرض الواقع.
وأعرب خبراء اقتصاديون عن قلقهم لعدة أسباب أبرزها خشيتهم من أنه إذا فقد الاحتياطي الفيدرالي قدرته على رفع معدلات التضخم، فإنه ربما لا يتمكن من اتخاذ إجراءات فاعلة للتصدي لموجة الركود القادمة.
بوجه عام، ثمة تفسيران مقنعان لإخفاق الاحتياطي الفيدرالي في الوصول لهدف 2% فيما يخص معدلات التضخم: واحد معقد والآخر بسيط.
يشير التفسير البسيط إلى أن السياسة النقدية لم تكن تكيفية بالصورة التي بدت عليها. تبعاً لهذا التفسير، فإن معدلات الفائدة المنخفضة عكست معدل فائدة منخفضا بصورة طبيعية وليس جهود تخفيف من جانب الاحتياطي الفيدرالي. أما عمليات شراء الأصول فقد جرى الإعلان عنها وتصويرها باعتبارها مؤقتة، الأمر الذي قضى على تأثيرها على معدلات التضخم. أما العنصر الأهم فربما يتمثل في أن الاحتياطي الفيدرالي سدد فوائد للمصارف على الاحتياطيات الفائضة والتي تفوق معدلات الفائدة السوقية.
وشرح جورج سيلغين، الخبير الاقتصادي بمعهد كاتو خلال الشهادة التي أدلى بها أمام الكونغرس، أنه «من خلال إبقائه على معدلات فوائد الاحتياطيات الفائضة أعلى عن معدلات الفائدة السوقية، مثلما ظل الحال منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، حال الاحتياطي الفيدرالي دون إحداث الإضافات في جانب العرض بالاحتياطيات المصرفية، أي زيادات عامة في المعروض من الاعتمادات».
حتى خلال السنوات الأولى من التعافي الاقتصادي، عملت سياسات الاحتياطي الفيدرالي ضد بعضها البعض، مع إحباط الفائدة على الاحتياطيات المفرطة تأثير عمليات شراء الأصول التي يضطلع بها الاحتياطي الفيدرالي.
أما التفسير الأعمق وراء عجز الاحتياطي الفيدرالي عن وصوله لهدفه المنشود المرتبط بمعدلات التضخم، فيكمن في التفسير الأبسط: إنه لم تكن لديه رغبة حقيقية لفعل ذلك. أو على الأقل لم يرغب في الوصول لهذا الهدف بقدر رغبته في تحقيق الأهداف الأخرى.
ويبدو من السهل متابعة هذا الأمر خلال السنوات الأخيرة، مع اتخاذ الاحتياطي الفيدرالي خطوات متعددة للحد من معدلات التضخم بقوة. على سبيل المثال، بداية من ديسمبر (كانون الأول) 2015، رفع الاحتياطي الفيدرالي معدلات الأموال الفيدرالية خمس مرات، وظل يتحدث عن رفع المعدلات قبل الإقدام فعلياً على رفعها بفترة طويلة. كما تحرك الاحتياطي الفيدرالي ببطء نحو تقليص ممتلكاته من الأصول. ولم يكن الاحتياطي الفيدرالي ليقدم على أي من الخطوتين لو أن تحقيق معدلات تضخم أعلى كان على رأس أولوياته.
وعليه، فإن اللغز الحقيقي اليوم لماذا يعتبر الكثيرون انخفاض معدلات التضخم لغزاً محيراً. ببساطة، الاحتياطي الفيدرالي لم يصل لهدفه المنشود لأنه لم يتعامل مع هذا الهدف بجدية.
- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»