زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

آثار تحكي تاريخاً!

خلال وجودي في العاصمة الرياض ومعي صديقي الدكتور خالد العناني - وزير الآثار المصري - تمتعنا بصحبة الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وقد شرح لنا ما يحدث في السعودية من نهضة أثرية شاملة، وفي الوقت نفسه كنا نستمع إلى مناقشات العالِم المحترم الدكتور سعد الراشد الذي استفاض في شرح قصة المواقع الـ41 الأثرية التي تحكي تاريخ المملكة العربية السعودية وحضارتها، وكذلك عن المشاريع التي تتم لإدارة المواقع الأثرية هناك... وقد سمعت عن جزيرة مهمة جداً وهي جزيرة تاروت، وتعد هذه الجزيرة ثاني جزيرة في الخليج العربي بعد مملكة البحرين، ويعود تاريخها إلى عصر بناة الأهرام في مصر أي إلى نحو خمسة آلاف عام، وقد عثر فيها على الكثير من الأدلة الأثرية التي تظهر أن الإنسان في هذه الجزيرة قد يكون من ضمن ما نعرفه بأنه أقدم استيطان بشري. وتضم الجزيرة أيضاً قلعة تاروت، التي يعود تاريخها إلى 1515 - 1521هـ. وتضم الجزيرة أيضاً تنوعاً طبيعياً من الحياة البيئية، وهناك الطيور المحلية والمهاجرة، كما هناك أماكن جميلة تستحق الزيارة خصوصاً البرج وكورنيش دارين وكورنيش الزوار، وصالة الأبراج الترفيهية للبلياردو، ومول القطيف، وكورنيش المحيسينات.
وشرح لنا الدكتور الراشد قصة موقع أثري آخر وهو بئر «سيسرا» المنقورة في الصخر، وتقع في الطرف الشمالي من مدينة سكاكا الجوف بالقرب من قلعة زعبل. وهذه البئر تعرف بأنها من أهم الآبار التاريخية على مستوى العالم كله، وذلك لأنها تحمل اسم قائد كنعاني مشهور وهو سيسرا، وهو القائد الذي حاصر اليهود وورد اسمه في التوراة... وهذه البئر محفورة في الصخر الرملي على شكل بيضاوي بقطرين أحدهما 8 أمتار، والآخر 9 أمتار وبعمق 15 متراً، وقد نُحتت على جوانبها الداخلية درجات تصل إلى القاع، وقد عثر على قناة محفورة في الصخر وكانت تستخدم لنقل المياه إلى المزارع، وهذا النوع كان معروفاً خلال العصور النبطية، وهذا يوضح مدى التقدم لدى الحضارة العمرانية.
ومن أهم المواقع الأثرية التي أثارت اهتمامي شخصياً هو العثور على نقش واحة تيماء الهيروغليفي، وهو أول كتابة مصرية يعثر عليها في آثار المملكة العربية السعودية، وقد عثر على هذا النقش على صخرة موجودة في موقع تيماء... أما النقش فيضم خرطوش (اسم) الملك رمسيس الثالث الذي حكم مصر منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، وهذا يوضح وجود علاقات تجارية بين مصر والمملكة في ذلك الوقت، أما الموقع الذي عثر داخله على النقش فهو مدينة تيماء، وهي إحدى المدن المهمة في مملكة مدين، وكانت أيضاً سوقاً رئيسية للسلع الثمينة يزود منها تجار مصر الذين كانوا يقيمون علاقات تجارية في ذلك الوقت وبين بلاد الشام وبلاد النهرين؛ ولذلك يعتقد العلماء أن القوافل التي كان يرسلها الملك رمسيس الثاني كانت تأتي إلى تيماء قبل 3200 سنة، وذلك للتزود بالبضائع، وبلا شك كان الذهب هو الذي يصدره الفراعنة لأنه كان مثل التراب، أما المصريون فكانوا يحضرون الفضة والبخور وجلود الحيوانات...