فوزية سلامة
TT

أصابع الزمار

المثل الشعبي يقول: يموت الزمار وإصبعه تلعب. والمعنى باختصار هو أن من شب على شيء شاب عليه.
وهكذا أنا فيما يتعلق بتأثير السياسة على الحياة اليومية، عبثا أحاول أن أطرد السياسة من حياتي، وما إن أغلق أبواب عقلي وقلبي بالمتاريس حتى أجد السياسة تطل عليَّ من فرجة باب أو نافذة. وعلى سبيل المثال، تعمدت ألا أتابع أخبار الانتخابات في مصر إيمانا مني بأن السيسي آتٍ آتٍ. فإذا بصديقين من زملاء المهنة يزورانني في البيت ويسألانني أن كنت انتخبت السيسي. وهنا عاد الزمار ليلعب بأصابعه.
وجدتني أسألهما: ماذا تظنان السيسي فاعلا إزاء جبل المشكلات التي تعاني منها مصر؟ فتدفقت الأجوبة..
ثم فاجأني أحد الأصدقاء الشبان الذين أعتبرهم رمزا لجيل لا يعرف للرأسمالية بديلا ولا يقبل بأي وجهة نظر أخرى. فاجأني هذا الشاب بجملة كتبها على موقع التواصل الاجتماعي يقول فيها، إن ضريبة العشرة في المائة التي فرضت على أرباح البورصة لا غبار عليها لأنها تقليد تتبعه كل الدول، وإنه لا يجوز للمستثمر الأجنبي أن يأتي وأن يجني أرباحا بالملايين ثم يجرفها إلى الخارج من دون أن يدفع شيئا لمصلحة البلد. وختم كلامه بأن قال، إن الشخص الذي صنف على أنه خبير اقتصادي وظهر على الشاشة الصغيرة بفتوى مؤداها أن البورصة سوف تخسر الكثير إذا فرضت الضريبة لا يفقه في الاقتصاد شيئا.
وتظل أصابع الزمار تلعب.
تذكرت أولى خطواتي على درب السياسة حين سمعت جانبا من حديث أبي مع صديق له في شرفة بيتنا وأنا صغيرة جدا حين قال أبي: لو نجح عبد الناصر في تأميم شركة قناة السويس فقد ضمن مستقبله السياسي. ونجح عبد الناصر ولكنه لم يضمن مستقبله السياسي. وأبلغ دليل هو نكسة عام 1967 واغتياله وهو في السادسة والخمسين.
وليس غريبا أن أبغض السياسة وأهابها لأن الانشغال بها يشترط أن تترك مبادئك خارج الأسوار وتقسم بأن تتبع مبادئ غير مبادئك، ومنها أن الغاية تبرر الوسيلة. ومع ذلك يدفعني الفضول وربما الخوف أحيانا لطرح أسئلة لا أعرف أجوبتها. فلماذا لا يتفاهم السيسي وقد كان رئيسا للمخابرات العسكرية، أي أنه يعرف كل صغيرة وكبيرة مما صار في مصر من سلب ونهب وتجميع ثروات بالتريليونات، وهذا كلام كاثرين آشتون، لماذا لا يقول لهؤلاء إما أن تعيشوا في السجون أو تعيدوا نسبة مما نهبتم إلى خزينة الدولة المصرية ولتكن عشرة أو عشرين في المائة. وما سيتبقى لكم كفيل بأن تعيشوا أنتم وأولادكم وأحفادكم في رغد؟!
وما بين ضريبة البورصة وإعادة جزء يسير من ثروات منهوبة سوف يتمكن من بدء مسيرة إعادة تأهيل للاقتصاد المصري كبديل للقروض وطلب المساعدة من دول الجوار.
وتظل أصابع الزمار تلعب.
آخر ما شغل تفكيري وحفز أصابع الزمار الذي مسه حديث سياسي في طفولته هو أن المشروع الصهيوني يتقهقر، والنفوذ الأميركي يتقهقر، والنفوذ الصيني يتقدم، ولو أن الصين قررت أن تخفض سعر العملة قليلا لسارعت في وضع كلمة النهاية على الهيمنة الأميركية. ولو باعت السندات لاسترداد ولو جزء يسير من الديون التي تدين بها أميركا للصين لانتهى الموضوع تماما. وإلى جانب ذلك، هناك أميركا اللاتينية ممثلة في البرازيل والأرجنتين وفنزويلا، والتي نفضت عنها الأنظمة الحاكمة القمعية واستبدلت بها نظما تقدمية وأصبح اقتصادها في صعود مطرد. ولا ننسى الهند، ولا ننسى روسيا وحلفاءها في الشرق الأوسط.
العالم يتغير من حولنا بخطى حثيثة، خطاه تتمحور حول تغيرات اقتصادية هي نتاج تغيرات سياسية تؤثر على الحياة اليومية للناس. ومن الناس من يفهم في السياسة ومنهم من لا يهتم بها. ولكنها واقع أليم أحيانا.