د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

في المسؤولية الفكرية لـ«الإخوان» عن ظاهرة التطرف

يعلن الإرهاب عن نفسه سلوكاً وأحداثاً فننشغل بتمظهراته المحسوسة، ويغيب عنا التفكير في الإرهاب وتأصيل فكرة الإرهاب والإمساك بأصل النشأة. وأظن مهما كانت الأحداث الإرهابية دامية وصادمة، فإنه يجب ألا نغفل عن حقيقة أننا أمام تطبيقات لأفكار نضجت في عقول تأثرت بها إلى حد توقف فيه العقل عن العمل، أو أنه اختار ممارسة التفكير في سجن فكرة أو مجموعة من الأفكار الضيقة والخانقة.
كتب مؤخراً الأستاذ عبد المنعم سعيد في صفحة الرأي هذه عن الأصول الإرهابية للإخوان المسلمين، وركز بشكل خاص على ما وصفه بالممارسات الإرهابية لتنظيم الإخوان في مصر منذ نشأته عام 1928.
وكتفاعل مع مقالته التي تفتح شهية التفكير، بدا لي أن أصل العنف يكمن في الفكر قبل الممارسات، ونبتة العنف تنمو في حقول المفاهيم الموجهة لعملية التفكير مهما كانت.
ذلك أن أدبيات الإخوان تتضمن مفاهيم وأفكاراً هي التي تؤسس للعنف وللإرهاب، حتى ولو كانت لا تدعو إلى ذلك صراحة وبشكل مباشر.
ففي هذا السياق، نشاطر الأطروحة التي تقول إن تنظيم الإخوان المسلمين يتحمل إلى حد كبير مسؤولية ظهور «الجهادية» التكفيرية، وتكمن هذه المسؤولية الفكرية في الجهاز المفاهيمي للتنظيم وفي مقولاته الرئيسية:
تقوم المرجعية الإخوانية على مجموعة من المفاهيم المركزية أهمها مفهوم الحاكمية لله وفكرة «جاهلية القرن العشرين» ومفهوم الإسلام الشامل. بالنسبة إلى مدى تبني مفهوم الحاكمية لله، فإن حركة الإخوان تكشف عنه أولاً من خلال منهاج الفهم الذي تعتمده. فهو منهاج آحادي، وهو ما سيفصح عنه خطاب سيد قطب أحد الرموز المؤسسة لجماعة الإخوان المسلمين.
ويعني مبدأ الحاكمية لله في كتابات حسن البنا الخضوع لكشف التصور الشمولي لمنهج الإخوان في فهم الإسلام، ذلك الفهم الذي يؤكد أصحابه اختلافه عن الأفهام الأخرى للإسلام، بدليل أن حسن البنا، وضع في إحدى رسائله المعنونة بـ«رسالة التعاليم» بروتوكول فهم الإسلام من خلال ما يُعرف بالأصول العشرين التي تُحدد أركان البيعة وتُعتبر - أي الأصول العشرين - «الأرضية الفكرية الدينية التي تقوم عليها الجماعة في كل مكان»، ونجد على رأس قائمة الأصول العشرين المبدأ الأول الذي يرى في الإسلام إلى جانب المظاهر المعروفة يراه أيضاً جهاداً ودعوة وجيشاً.
وإلى جانب مبدأ الشمولية المنهاج الإسلامي للحركة وإطلاقية مبدأ الحاكمية، بمعنى مركزية الفهم الإخواني للنسق العقيدي في فكر الحركة، فإن فكرة الجاهلية، تُعد مقولة رئيسية في تحديد معالم تصوّر الإخوان للعلاقة مع الواقع الحاضر ومشكلات العصر، وأيضاً كيفية التفاعل مع الآخر مرجعيات وأفكاراً. يُوضح محمد قطب في كتابه «جاهلية القرن العشرين» بإطناب وافر المقصود بـ«الجاهلية»: فهي «ليست فترة تاريخية مضت إلى غير رجوع، إنما هي جوهر معين يمكن أن يتخذ صوراً شتى بحسب البيئة والظروف والمكان... وهي ليست المقابل لما يُسمى العلم والمعرفة والحضارة والمدنية والتقدم المادي والقيم الفكرية أو الاجتماعية أو السياسية أو الإنسانية... إنما الجاهلية حالة نفسيّة ترفض الاهتداء بهدي الله ووضع تنظيمي يرفض الحكم بما أنزل الله». ومن ثم، فإنه طبقاً لهذا التصور للجاهلية، فإن كل الحضارات والثقافات التي «لا تهتدي بالهدي الرّباني»، هي في حالة جاهلية، بل إن ما يُسميه محمد قطب الجاهلية الحديثة، هي «جاهلية العلم والبحث والدراسة والنظريات، جاهلية التقدم المادي المفتون بقوته، المزهو بما وصل إليه من آفاق... والجاهلية التي تفتن الناس باسم التقدم والتطور والحضارة والمدنية». ويتبين لنا من مركزية مفهوم الجاهلية في التراث الإخواني، الصيغة الأساسية في التصنيف: الإسلام أو الجاهلية. ومن هذه الصيغة تتشكل الصيغة الجوهرية في البناء الفكري الإخواني: الإسلام الشمولي هو الحل.
وفي هذا السياق، نستحضر أطروحة صاموئيل هنتغتون الذي وصف الحضارة الإسلامية بكونها حضارة تحدٍ، وأن هذا التحدي يمثله الإسلام السياسي الذي ينطوي على رفض للآخر قيماً وتصوراً للعلاقة بين الدين ومؤسسات المجتمع. وبشكل عام وخاص، فإن أهم ما نلاحظه هو أن هذه الأفكار ونقصد بذلك توصيف الجاهلية الجديدة مثلاً هو أنها تؤسس فكرياً للجهادية وللتكفير. فلقد تربت أجيال على هذه الأفكار ونضجت هذه الأفكار أكثر عندما التحمت بالواقع الاقتصادي والسياسي الذي عزز ظهور التنظيمات التكفيرية.
هكذا نفهم المسؤولية الفكرية لتنظيم الإخوان في ظهور الجماعات التكفيرية وانتشارها على نحو جعلها آفة هذا القرن، ومصدر معاناة حقيقي للشعوب الإسلامية. وهكذا نفهم أيضاً موقف الكثيرين الذين يحملون تنظيم الإخوان مسؤولية انتشار الإرهاب وظاهرة تكفير الآخر، أي أن الإخوان منحوا مسوغات تراكمت مع زمن، وانصهرت مع ظروف ضاغطة فكانت «الجهادية» وكان التكفير.