TT

لنا الانفجارات ولكم الامتيازات!

«لنا الانفجارات ولكم الامتيازات».. هذا هو لسان حال الكثير من أبناء الشعب العراقي المبتلى بمشاكل وهموم وأزمات ومعاناة لا نهاية لها.
لا يكاد يمر يوم إلا ومشاهد الدماء النازفة والأرواح الزاهقة تتصدر نشرات الأخبار وبرامج الفضائيات، وأحاديث الشوارع والمقاهي والأسواق والبيوت. ولا تزاحم تلك المشاهد، إلا مشاهد كبار المسؤولين، وهم إما يزايدون على أبناء هذا الشعب ويحاولون استغفالهم بشعارات رنانة وطنانة، أو يلهثون وراء امتيازاتهم ورواتبهم، والذين لو كانوا يلهثون وراء مصالح الشعب مثلما يلهثون وراء الرواتب والامتيازات، لتغير الواقع البائس كثيرا.
عجيب أمر الكثير ممن ائتمنوا على مصالح الشعب العراقي وحاضره ومستقبله، فهم وفي ذروة دورة القتل الدموي الإجرامي اليومي، يستقتلون على امتيازاتهم، وكأن الذين تحصدهم السيارات المفخخة والأحزمة والعبوات الناسفة في عرض البلاد وطولها ليسوا من العراقيين، وإنما من شعب آخر يقطن أقصى الكرة الأرضية.
ليس مهما من تحصده آلة القتل الدموي اليومي، وليس مهما عدد الذين تحصدهم آلة القتل هذه، بقدر أهمية تثبيت المادة 37 من قانون التقاعد الموحد، بالنسبة للكثير من المتربعين على الكراسي. ويكفي لأي عراقي أن يشاهد أية قناة فضائية أو يقلب صفحات أية صحيفة، ليتأكد أن القتل اليومي لا يأتي في أعلى سلم أولويات الكثير من السادة المسؤولين، وإنما يتقدم عليه موضوع الامتيازات ومواضيع أخرى غيره، ناهيك بالتسقيط والتشهير الذي تجاوز الحدود وخرج عن حدود الأدب والذوق والمنطق.
وبخصوص الانتخابات، راح الكثير من المسؤولين يركزون جل اهتمامهم وجهدهم في كيفية الاحتفاظ بمواقعهم وكراسيهم، فمنهم من راح يشتري بطاقات الانتخاب الإلكترونية، ومنهم من راح يوزع البطانيات ذات الألوان الزاهية الجميلة، ومنهم من شرع بتوزيع قناني زيت الطعام وأكياس الأرز والسكر، وآخرون اكتفوا أو سيكتفون بتوزيع بطاقات تعبئة رصيد الهواتف الجوالة، هذا إلى جانب ولائم الطعام.. وغيرها الكثير.
كل ذلك يجري وسط مشاهد مأساوية مؤلمة، إذ يندر أن يمر يوم تغيب فيه تلك المشاهد عن العراقيين.. والمفارقة أنه عندما تبدو الأمور هادئة في بعض الأحيان وفي بعض الأماكن، يبدأ الناس بالتساؤل «شو هالأيام ماكو انفجارات؟».. أي للأسف اعتاد الناس على مشاهد القتل والدم بفضل وبركة المتربعين على الكراسي والمهمومين بالمادة 37!
واللافت أن أغلب ضحايا الانفجارات هم الناس البسطاء المحرومون المقهورون الطيبون، وليسوا من أصحاب المواقع العالية والرواتب الباهظة والامتيازات الفاضحة والضمائر الميتة.
وإذا كان الواقع القائم كذلك فكيف لا تكون «لنا الانفجارات ولكم الامتيازات»؟!
* كاتب عراقي