سردار عبد الله
TT

حكومة الأغلبية السياسية في العراق فشلت

على خلفية الدعوات المتكررة لتشكيل حكومة أغلبية سياسية في العراق، يتركز السؤال الأهم حول مدى احتمال نجاحها، لكن يبقى الأهم من ذلك هو لماذا نحاول أصلا تطبيقها في حين أنها أثبتت فشلها الكارثي في مهمتها الأساسية والتي هي الحفاظ على اللحمة الوطنية وعلى مدى السنوات الأربع الماضية؟
نعم، إنني أجزم بأن حكومة الأغلبية السياسية في العراق سوف تفشل في الحفاظ على النظام الديمقراطي وكذلك على وحدة العراق بلدا وشعبا. والحقيقة هي أن الحكومة العراقية الحالية كانت كمسمى حكومة شراكة وطنية، بينما كانت في الواقع حكومة أغلبية سياسية بامتياز. هذا الكلام ليس اصطفافا مع أحد أو ضد أحد.
بداية وقبل عرض الحجج والبراهين ينبغي أن نحدد المفاهيم ونصحح ما لحق بها من تشويه، والحقيقة هي أن كثيرين من الناس ينخدعون بالعنوان البراق لحكومة الأغلبية السياسية العتيدة ويتصورونها عصا سحرية سوف تضمن الأمن وتوفر الخدمات وتنهي البطالة خلال فصل واحد، والذريعة الرسمية هنا أن «حكومة الشراكة» المزعومة كانت معرقلة بكتلها الكثيرة لخطط الحكومة في أداء واجباتها في كل هذه المجالات. والصحيح هو أن هذه الحكومة لم تكن بأي حال من الأحوال سوى حكومة أغلبية سياسية وهذا هو سبب فشلها وليس العكس. كل الحكومات في العالم من دون استثناء، حكومات الوحدة الوطنية التي هي بالعادة نادرة التشكيل، هي حكومات أغلبية نيابية، لكن ليست بالضرورة حكومات أغلبية سياسية، بل قد تكون حكومات توافقية بامتياز، وهذا هو جوهر الفرق بين الأغلبية النيابية والأغلبية السياسية. فالمؤكد أن تشكيل الحكومة في أي بلد ديمقراطي يحتاج إلى أغلبية نيابية تمنح الثقة لهذه الحكومة التي قد تكون حكومة توافقية بامتياز.
البراهين والحجج التي تثبت أن هذه الحكومة هي حكومة أغلبية سياسية كثيرة جدا، منها:
- لم تشترك كل الكتل النيابية في الحكومة، بل إن كتلة التغيير قاطعت جلسة التصويت أصلا. كما غادرها فيما بعد المجلس الأعلى الإسلامي، وذلك باستقالة نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي وكذلك استقلال منظمة بدر عن المجلس الأعلى.
- إن الحكومة كانت تتخذ جميع قراراتها بما فيها القرارات الاستراتيجية بالأغلبية التي كانت باستمرار لصالح رئيس الحكومة، هذا بالإضافة إلى أن عدم تسمية الوزراء الأمنيين ومنح هذه الحقائب وكالة لرئيس الحكومة والوزراء القريبين منه بالإضافة إلى شغور وزارة المالية ومنحها وكالة لأحد قيادات كتلة رئيس الحكومة، ساهم في توفير أغلبية من خلال تمتع هؤلاء الوزراء بأكثر من صوت واحد في اجتماعات مجلس الوزراء. وكل ما سبق يجرد حكومتنا هذه من كل بعد يمت للشراكة والتوافق الوطنيين، بل إن هذه الحكومة لجأت حتى لاستغلال قطع أرزاق المواطنين العراقيين من موظفي إقليم كردستان كورقة ضغط سياسية.
- حتى داخل البرلمان كانت كتلة رئيس الحكومة تحاول تمرير كل القرارات والقوانين الاستراتيجية وفقا لمنطق الأغلبية السياسية، وفرض هذا المنطق على الآخرين حتى لو كانت هذه القرارات والقوانين على حساب مكونات الشعب العراقي الأساسية، وعلى حساب التعايش الأخوي والترابط والوحدة الوطنية.
الآن، وبعد ما تبين أن هذه الحكومة كانت حكومة أغلبية سياسية، لم يتبق سوى أن نعرض ما هو خير للعراق والعراقيين وما يجلب علينا الكارثة المحققة ثم نختار ما يمليه علينا الضمير ومصلحة ومصير ووحدة العراق والعراقيين جميعا. التشويه الكبير أيضا لحق مفهوم التوافق الوطني الذي مُسِخَ في السنوات الأربع الماضية إلى حكومة محاصصة حزبية. والفرق كبير بين النموذجين، فكانت حكومتنا للأسف حكومة أغلبية سياسية مبنية على أساس المحاصصة الحزبية المقيتة، بينما كان الشعار المعلن هو «الشراكة الوطنية».
إن بلدا كبيرا في كل شيء كالعراق وشعبا عظيما وغنيا في تنوعه الإثني والإنساني لا يمكن أن يحكم إلا من خلال التوافق الوطني الذي هو في المحصلة النهائية تحصيل حاصل، المصالح المشتركة لجميع أبنائه والذي نبدع ونبتكر من خلاله المصلحة الوطنية العليا والهوية الوطنية العراقية الجامعة. في المقابل كل نموذج من نماذج حكم الأغلبية السياسية لا يمكن إلا أن ينتج الديكتاتورية أو التقسيم. إننا إذ نمر بهذه اللحظة التأسيسية الفاصلة من تاريخ العراق تحتم علينا مسؤوليتنا الوطنية الابتعاد عن الأغلبية السياسية والتمسك بمبدأ التوافق الوطني الذي يحمي بلدنا من كوارث الديكتاتورية والتقسيم ويجنب شعبنا ويلات الفرقة والاحتراب الطائفي والقومي. بناء على ما تقدم، فإنني ومن موقع المسؤولية الوطنية والسياسية والأخلاقية، وانطلاقا من حرصي الشديد على وحدة العراق وشعبه، أتوجه بثلاث رسائل أساسية وهامة:
الأولى: للقوى الكردستانية المسؤولة، كبقية القوى الوطنية في العراق، عن إعادة تأسيس بلدنا العزيز على الأسس الصحيحة وأدعوها إلى التمسك بوحدة الصف الكردي، ورفض حكومة الأغلبية السياسية والتمسك بحكومة التوافق الوطني، وأذكرها بأن أي خروج عن الإجماع الكردي هو خط أحمر.
أما الثانية، فهي موجهة بإخلاص وصدق إلى الإخوة في دولة القانون، وأدعوهم للتخلي عن مشروع حكومة الأغلبية السياسية، والالتزام بمبدأ التوافق الوطني وعدم الخروج عليه.
ورسالتي الثالثة، موجهة لكل القوى الوطنية العراقية الفائزة في الانتخابات الأخيرة، في حال عدم تخلي قيادة دولة القانون عن مشروع حكومة الأغلبية السياسية فإن مسؤوليتكم الوطنية تحتم عليكم التوحد جميعا وإشراك من يتخلى عن مشروع الأغلبية السياسية من إخوتنا في دولة القانون، وتشكيل حكومة التوافق الوطني، التي سوف تحمي بلدنا العزيز وشعبنا العظيم من ويلات التقسيم والدمار وتضمن له الوحدة والازدهار والسلام. ولا بد من أن أذكركم جميعا بأن مثل هذا التحالف ليس بالضد من دولة القانون أو السيد المالكي، بل هو رفض لمشروع حكومة الأغلبية السياسية التقسيمي، والتمسك بحكومة التوافق الوطني الجامعة والضامنة لوحدة العراق وازدهار وتقدم شعبه.
* عضو مجلس النواب العراقي